الثلاثة المذكورة ، ولعلّه هو ومن رواه مرسلاً وجدوا في سلسلة السند أناساً ساقطين لا يُعبأ بهم ولا يُحتجّ بحديثهم ، وما راقهم إبطال هذه المنقبة بابداء علله بذكر أُولئك الرجال.
ومن العجب العجاب هذا الدأب منه صلىاللهعليهوآلهوسلم من أوّل الليل إلى منتهى الفجر على الدعاء لعثمان الذي فوّت عليه مرغّباته وفرائضه ، فإنّ صلاة الليل والوتر كانت فريضة عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم دون الأُمّة (١) ، ولا أدري هل نزل عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم وحي جديد يأمره باستبدال نوافله وفرائضه في تلك الليلة بالدعاء لعثمان؟ أو ما ذا كان فيها؟ نعم ، الذي يظهر من السيوطي في الخصائص الكبرى (٢) (٢ / ١٦٤ ـ ١٧٠) أنّ ذلك الوحي لم ينزل ، وأنّ الدعاء لعثمان لم يكن فضلاً عن استيعابه الليل كلّه فإنّه ذكر فيها كلّ من دعا له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسمّاهم حتى يهوديّا سمّت (٣) رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يعدّ منهم عثمان.
ولو كان إنفاق عثمان في جيش العسرة موجباً للدعاء المستوعب ليله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما يظهر من رواية الواحدي ، فإنفاق أبي بكر الذي أنفق كلّ ما كان يملكه ذات يده ـ كما يحسبه القوم ـ وكان يراه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمنّ الناس عليه بماله (٤) يستوجب دعاءً مستغرقاً ليله ونهاره ، فأين؟ وأنّى؟ ولو كان كلّ إنفاق في مهمّة يستدعي دعاء الليل فكان عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقضي حياته ليلاً ونهاراً بالدعاء للمنفقين ، وما أكثرهم! ولو كان صلىاللهعليهوآلهوسلم رافعاً يديه لعثمان فعليه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يديم رفعهما في الدعاء لأبي بكر ولرجال الأنصار المكثرين من الإنفاق في السلم والحرب ولغيرهم من أهل اليسار الذين بذلوا كنوزاً عامرة من الدرهم والدينار في مهامّ الإسلام المقدّس والدعوة إليه والذبّ عنه.
__________________
(١) راجع الخصائص الكبرى : ٢ / ٢٢٩ [٢ / ٣٩٧]. (المؤلف)
(٢) الخصائص الكبرى : ٢ / ٢٧٩ ـ ٢٩٦.
(٣) التسميت : الدعاء للعاطس ، وهو قولك له : يرحمك الله ، أُخذ من السمت إلى الطريق والقصد. كأنه قصده بذلك الدعاء.
(٤) راجع ما مضى في : ٧ / ٣٠٧ و ٨ / ٣٣ ، ٥٨. (المؤلف)