فأهدر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دمه يوم الفتح وأمر بقتله ولو وجد تحت أستار الكعبة ، لكنّه فرّ إلى أخيه من الرضاعة ـ عثمان ـ فآواه وغيّبه ، وكان من واجبه قتله أينما وجده ، لكنه بدلاً من ذلك أتى به إلى رسول الله فاستأمنه له ، فصمت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم طويلاً رجاء أن يقتله أحد من الحضور لأنّه ما كان يروقه صلىاللهعليهوآلهوسلم إسعافه ولا يرى لحياة ابن أبي سرح قيمة. راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن (ص ٢٨٠).
وسل عنه إيواءه ابن عمّه المشرك معاوية بن المغيرة بن أبي العاص يوم حمراء الأسد لمّا ظفر به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في خروجه منها فأمر بضرب عنقه صبراً ، فلجأ إلى عثمان فاستأمن له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأمنه على أنّه إن وجد بعد ثلاث قتل ، فأقام بعد ثلاث وتوارى فبعث صلىاللهعليهوآلهوسلم عمّار بن ياسر وزيد بن حارثة وقال : «إنّكما ستجدانه بموضع كذا وكذا» فوجداه فقتلاه (١).
وما أشبه فعلته هذه بإيوائه الحكم وابنه مروان في خلافته وهما طريدا رسول الله ولعيناه! (٢) فأمره سواسية في المبدأ والمنتهى.
هذا كلّ ما علمناه من سوابق الرجل ولواحقه ، وشيء منها لا يصلح أن يكون باعثاً للحبّ والدعاء ، كما أنّ شيئاً منها لا يترك للدعاء المزعوم ظرفاً يُستساغ له الدعاء فيه ، فزبدة المخض أنّه من مختلق الدور الأُمويّ الذي لم يأل العبشميون فيه جهداً في وضع الفضائل أو الرذائل.
نعم ، ذكروا له صلىاللهعليهوآلهوسلم دعوات عديدة لعثمان عند تجهيزه جيش العسرة ولعلّ المتهالك في حبّ عثمان ينحته موجباً لتلكم الدعوات ، والباحث جدّ خبير بأنّه لا
__________________
(١) سيرة ابن هشام : ٣ / ٥٧ [٣ / ١١١] ، تاريخ ابن كثير : ٤ / ٥١ [٤ / ٥٩] ، عيون الأثر لابن سيّد الناس : ٢ / ٣٧ ، ٣٨ [٢ / ٦] ، شرح الأشخر على بهجة المحافل : ١ / ٢١٣ [الأشخر هو محمد بن أبي بكر المتوفى ٩١٩]. (المؤلف)
(٢) راجع ترجمة الحكم وابنه مروان في الجزء الثامن من كتابنا هذا. (المؤلف)