ويبالغون في زهده وتقواه وجعلوا كبده مشويّا من خوف الله والدخان يتصاعد من فمه إلى السماء مهما تنفّس ، ولم يثبت له ميز في العبادة ولم يُروَ عنه الإكثار من الصوم والصلاة ومن كلّ ما يقرّبه إلى الله زلفى (١).
ويبالغون في علم عمر وجعلوه أعلم الصحابة في يومه على الإطلاق وأفقههم في دين الله ، وحابوه تسعة أعشار العلم ، راجحاً علمه علم أهل الأرض ، علم أحياء العرب في كفّة الميزان ، وجاؤوا فيه بكثير لدة هذه الخرافات (٢) والرجل قد ألهاه الصفق بالأسواق عن علم الكتاب والسنّة ، وكلّ الناس أفقه منه حتى ربّات الحجال أخذاً بقوله وهو الصادق المصدّق فيه (٣).
ويبالغون في إنكاره الباطل وبغضه الغناء ونكيره الشديد عليه ، وقد ثبت من شكيمته أنّه كان يتعاطاه ويجوّزه (٤).
ولمّا وجدوا أنّ التاريخ الصحيح وما ثبت من سيرة عثمان ينفي عنه ملكة الحياء ويُمثّله للمجتمع بما يضادّها ، نسجوا له هذا النسج المبرم ، وأتوا بالمخازي ووضعت يد الافتعال فيها ما سمعت من الأفائك ، حتى جعلوه أشدّ أُمّة محمد حياءً ، وأحياها وأكرمها ، حييّا تستحي منه الملائكة. فحياء عثمان كشجاعة أبي بكر وعلم عمر سالبة بانتفاء موضوعاتها ، وهي فيهم تُضاهي أمانة معاوية وعلمه الواردين فيما يُعزى إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : كاد أن يبعث معاوية نبيّا من كثرة علمه وائتمانه على كلام ربّي. وقوله : الأُمناء سبعة : اللوح والقلم وإسرافيل وميكائيل وجبريل ومحمد ومعاوية (٥).
__________________
(١) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع : ص ٢١٩ ـ ٢٢٢. (المؤلف)
(٢) راجع ما مرّ في الجزء السادس : ص ٨٢ ، ٣٣١ والجزء الثامن : ص ٦٢ ، ٦٣. (المؤلف)
(٣) راجع ما أسلفناه في الجزء السادس من نوادر الأثر في علم عمر. (المؤلف)
(٤) راجع ما مرّ في الجزء الثامن : ص ٦٤ ـ ٨١ ، ٨٦ ، ٩٤ ـ ٩٦. (المؤلف)
(٥) راجع الجزء الخامس من الغدير : ص ٣٠٨. (المؤلف)