جيل سلفاً وخلفاً ، وكتب الفقه والكلام والحديث والتاريخ مشحونة بهذه السيرة الممقوتة ، ومن أمعن النظر في كتاب المحلّى لابن حزم ، وكتابه الفصل في الملل والنحل ، ومنهاج السنّة لابن تيميّة ، والبداية والنهاية لابن كثير ، يجد مئات من الإجماعات المدّعاة المشمرجة ، والأستاذ اقتفى أثر أُولئك الأمناء على ودائع العلم والدين وحذا حذوهم ، كأنّه لم يكُ يحسب أن يأتي عليه يوم يناقشه قلم التنقيب الحساب ، أو أنّه غير مكترث لأيّ تبعة ومغبّة.
أنّى من المتسالم عليه تولية الوليد سنة (٢٥)؟ وإن هو إلاّ قول سيف بن عمر كما نصّ عليه الطبري في تاريخه (١) (٧ / ٤٧) وزيّفه ، وعزاه ابن الأثير في الكامل (٢) إلى البعض ، وقد عرّفناك سيفاً في الجزء الثامن (ص ٨٤) وأنّه : ضعيف متروك ، ساقط ، وضّاع ، اتّهم بالزندقة ، فالمعتمد عند المؤرّخين أنّ تولية الوليد كانت سنة (٢٦).
ثمّ أنّى يصحّ كون السنة ال (٢٥) هي السنة الأُولى من حكم عثمان؟ وإنّما توفّي عمر في أواخر ذي الحجّة سنة (٢٣) وبويع عثمان بعد ثلاثة أيّام من موت عمر ، فالسنة الأُولى من حكم عثمان هي (٢٤).
وأين وأنّى يسع لناقد أو مؤرّخ فضلاً عن إجماع الناقدين والمؤرّخين أن يحسب صفو الجوّ من بوائق عثمان وبوادره ونوادره خلال الستّ سنوات الأُولى ، وهذه صفحات تاريخه في تلكم السنين مسودّة بهنات وهنات؟ بل التاريخ سجّل له من أوّل يوم تسنّم عرش الخلافة ، وقام نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، صرعة وعثرةً لا تُستقال ، منها :
١ ـ أبطل القصاص لمّا استُخلف ولم يقد عبيد الله بن عمر وقد أتى عظيماً وقتل الهرمزان والجفينة وابنة أبي لؤلؤة ، وأجمع رأي المهاجرين والأنصار على كلمة واحدة
__________________
(١) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٢٥١ حوادث سنة ٢٦ ه.
(٢) الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٣٠ حوادث سنة ٢٦ ه.