نبيّكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبلَ بعد! فغضب عثمان غضباً شديداً حتى ما درى ما يقول ، فالتجّ المسجد (١) وقال الناس : سبحان الله ، سبحان الله ، وكان عمرو بن العاص واجداً على عثمان لعزله إيّاه عن مصر وتوليته إيّاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فجعل يُكثر التعجب والتسبيح.
وبلغ عثمان مصير هشام بن الوليد ومن مشى معه من بني مخزوم إلى أُمّ سلمة وغضبها لعمّار فأرسل إليها : ما هذا الجمع؟ فأرسلت إليه : دع ذا عنك يا عثمان ، ولا تحمل الناس في أمرك على ما يكرهون. واستقبح الناس فعله بعمّار وشاع فيهم فاشتدّ إنكارهم له.
وفي لفظ الزهري كما في أنساب البلاذري (٢) (ص ٨٨) : كان في الخزائن سفط فيه حليّ ، وأخذ منه عثمان فحلّى به بعض أهله ، فأظهروا عند ذلك الطعن عليه وبلغه ذلك فخطب فقال : هذا مال الله أُعطيه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم ، فقال عمّار : أنا والله أوّل من رغم أنفه من ذلك. فقال عثمان : لقد اجترأت عليّ يا ابن سميّة! وضربه حتى غشي عليه ، فقال عمّار : ما هذا بأوّل ما أوذيت في الله. وأطلعت عائشة شعراً من رسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ونعله وثياباً من ثيابه ـ فيما يحسب وهب ـ ثمّ قالت : ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم! وقال عمرو بن العاص : هذا منبر نبيّكم وهذه ثيابه وهذا شعره لم يبلَ فيكم وقد بدّلتم وغيّرتم. فغضب عثمان حتى لم يدرِ ما يقول.
٢ ـ قال البلاذري في الأنساب (٣) (٥ / ٤٩) : إنّ المقداد بن عمرو وعمّار بن ياسر وطلحة والزبير في عدّة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كتبوا كتاباً عدّدوا فيه أحداث عثمان ، وخوّفوه ربّه ، وأعلموه أنّهم مواثبوه إن لم يُقلع ، فأخذ عمّار الكتاب وأتاه به
__________________
(١) التجّت الأصوات : ارتفعت فاختلطت.
(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ٢٠٩.
(٣) أنساب الأشراف : ٦ / ١٦٢.