فلمّا سُمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة ، وخرج به ناس يسير من أهله وهم يريدون به حائطاً بالمدينة يُقال له : حُشّ كوكب (١) كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فلمّا خرج به على الناس رجموا سريره وهمّوا بطرحه ، فبلغ ذلك عليّا ، فأرسل إليهم يعزم عليهم لَيكُفُنّ عنه ، ففعلوا ، فانطلق به حتى دفن رضى الله عنه في حشّ كوكب ، فلمّا ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع ، فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتّصل ذلك بمقابر المسلمين.
ومن طريق أبي كرب ـ وكان عاملاً على بيت مال عثمان ـ قال : دفن عثمان رضى الله عنه بين المغرب والعتمة ، ولم يشهد جنازته إلاّ مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه ، وأخذ الناس الحجارة وقالوا : نعثل نعثل ، وكادت ترجم ، فقالوا : الحائط الحائط ، فدفن في حائط خارجاً.
ومن طريق عبد الله بن ساعدة ، قال : لبث عثمان بعد ما قتل ليلتين لا يستطيعون دفنه ثمّ حمله أربعة : حكيم بن حزام ، وجبير بن مطعم ، ونيار بن مكرم ، وأبو جهم بن حذيفة ، فلمّا وضع ليصلّى عليه ، جاء نفر من الصحابة يمنعونهم الصلاة عليه ، فيهم : أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي ، وأبو حيّة المازني في عدّة ومنعوهم أن يُدفن بالبقيع ، فقال أبو جهم : ادفنوه فقد صلّى الله عليه وملائكته ، فقالوا : لا والله لا يُدفن في مقابر المسلمين أبداً ، فدفنوه في حشّ كوكب ، فلمّا ملكت بنو أُميّة أدخلوا ذلك الحشّ في البقيع ، فهو اليوم مقبرة بني أُميّة.
ومن طريق عبد الله بن موسى المخزومي ، قال : لمّا قُتل عثمان رضى الله عنه أرادوا حزّ رأسه ، فوقعت عليه نائلة وأمّ البنين فمنعنهم وصحن وضربن الوجوه وخرقن ثيابهنّ ، فقال ابن عديس : اتركوه ، فأُخرِج عثمان ولم يُغسّل إلى البقيع ، وأرادوا أن يصلّوا عليه
__________________
(١) قال أبو عمر في الاستيعاب [القسم الثالث / ١٠٤٨ رقم ١٧٧٨] ، وياقوت في المعجم [٢ / ٢٦٢] ، والمحبّ الطبري في الرياض [٣ / ٦٥] : كوكب : رجل من الأنصار ، والحشّ : البستان. (المؤلف)