أشرف عثمان على الناس وهو محصور وقد أحاطوا بالدار من كلّ ناحية ، فقال : أنشدكم بالله جلّ وعزّ هل تعلمون أنّكم دعوتم الله عند مصاب أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضى الله عنه أن يخير لكم ، وأن يجمعكم على خيركم؟ فما ظنّكم بالله؟ أتقولونه (١) : لم يستجب لكم ، وهنتم على الله سبحانه؟ وأنتم يومئذ أهل حقّه من خلقه ، وجميع أموركم لم تتفرّق ، أم تقولون : هان على الله دينه فلم يُبال من ولاه؟ والدين يومئذ يُعبد به الله ولم يتفرّق أهله ، فتوكلوا أو تخذلوا وتعاقبوا ، أم تقولون : لم يكن أخذ عن مشورة؟ وإنّما كابرتم مكابرة ، فوكل الله الأُمّة إذا عصته ، لم تشاوروا في الإمام ، ولم تجتهدوا في موضع كراهته ، أم تقولون : لم يدر الله ما عاقبة أمري؟ فكنت في بعض أمري مُحسناً ولأهل الدين رضى فما أحدثت بعد في أمري ما يسخط الله وتسخطون ممّا لم يعلم الله سبحانه يوم اختارني وسربلني سربال كرامته ، وأنشدكم بالله هل تعلمون لي من سابقة خير وسلف خير قدّمه الله لي ، وأشهدنيه من حقّه وجهاد عدوّه ، حقّ على كلّ من جاء من بعدي أن يعرفوا لي فضلها؟ فمهلاً لا تقتلوني فإنّه لا يحلّ إلاّ قتل ثلاثة : رجل زنى بعد إحصانه ، أو كفر بعد إسلامه ، أو قتل نفساً بغير نفس فيُقتل بها ، فإنّكم إن قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ثمّ لم يرفعه الله عزّ وجلّ عنكم إلى يوم القيامة ، ولا تقتلوني فإنّكم إن قتلتموني لم تصلّوا من بعدي جميعاً أبداً ، ولم تقتسموا بعدي فيئاً جميعاً أبداً ، ولن يرفع الله عنكم الاختلاف أبداً.
قالوا له : أمّا ما ذكرت من استخارة الله عزّ وجلّ الناس بعد عمر رضى الله عنه فيمن يولّون عليهم ثمّ ولّوك بعد استخارة الله ، فإنّ كلّ ما صنع الله الخيرة ، ولكنّ الله سبحانه جعل أمرك بليّة ابتلى بها عباده.
وأمّا ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّك قد كنت ذا قدم وسلف وكنت أهلاً للولاية ولكن بدّلت بعد ذلك وأحدثت ما قد علمت.
__________________
(١) كذا في المصدر ، ولعله : أتقولون.