الحمد لله أَحمدَهُ وأستعينه ، وأومن به وأتوكّل عليه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ، أمّا بعد ؛ فإنّكم لم تعدلوا في المنطق ولم تنصفوا في القضاء ، أمّا قولكم : تخلع نفسك ، فلا أنزع قميصاً قمّصنيه الله عزّ وجلّ وأكرمني به وخصّني به على غيري ، ولكنّي أتوب وأنزع ولا أعود لشيء عابه المسلمون ، فإنّي والله الفقير إلى الله الخائف منه.
قالوا : إنّ هذا لو كان أوّل حدث أحدثته ثمّ تُبت منه ولم تقم عليه ، لكان علينا أن نقبل منك ، وأن ننصرف عنك ، ولكنّه قد كان منك من الإحداث قبل هذا ما قد علمت ، ولقد انصرفنا عنك في المرّة الأولى وما نخشى أن تكتب فينا ، ولا من اعتللت به بما وجدنا في كتابك مع غلامك ، وكيف نقبل توبتك؟ وقد بلونا منك أنّك لا تُعطي من نفسك التوبة من ذنب إلاّ عُدت إليه ، فلسنا منصرفين حتى نعزلك ونستبدل بك ، فإن حال من معك من قومك وذوي رحمك وأهل الانقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم ، حتى نخلص إليك فنقتلك ، أو تلحق أرواحنا بالله.
فقال عثمان : أمّا أن أتبرّأ من الإمارة ؛ فإن تصلبوني أحبّ إليّ من أن أتبرّأ من أمر الله عزّ وجلّ وخلافته. وأمّا قولكم : تقاتلون من قاتل دوني ؛ فإنّي لا آمر أحداً بقتالكم (١) ، فمن قاتل دوني فإنّما قاتل بغير أمري ، ولعمري لو كنت أُريد قتالكم ، لقد كنت كتبت إلى الأجناد (٢) فقادوا الجنود وبعثوا الرجال ، أو لحقت ببعض أطرافي بمصر أو عراق ، فالله الله في أنفسكم فأبقوا عليها إن لم تُبقوا عليّ ؛ فإنّكم مجتلبون بهذا الأمر إن قتلتموني دماً. قال : ثمّ انصرفوا عنه وآذنوه بالحرب ، وأرسل إلى محمد بن
__________________
(١) لم يكن معه هناك غير بني أبيه حتى يأمر أحداً بالقتال ، وهم ليسوا هناك وقد تحصّنوا يوم قتله بكندوج أمّ حبيبة كما يأتيك حديثه. (المؤلف)
(٢) كان يتأهّب للقتال ، ويستعدّ بالسلاح ، ويكتب إلى الأجناد ، ويجلب إلى المدينة الجنود المجنّدة من الشام وغيرها ، غير أنّه كان يغفّل الناس بكلماته هذه وستوافيك كتبه. (المؤلف)