انصراف المصريّين ، فقال له : «تكلّم كلاماً يسمعه الناس منك ، ويشهدون عليه ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والإنابة ، فإنّ البلاد قد تمخّضت عليك ، فلا آمن ركباً آخرين يقدمون من الكوفة فتقول : يا عليّ اركب إليهم ، ولا أقدر أن أركب إليهم ولا أسمع عذراً ، ويقدم ركب آخرون من البصرة فتقول : يا عليّ اركب إليهم ، فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقّك». قال : فخرج عثمان وخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة ، فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثمّ قال :
أمّا بعد ؛ أيّها الناس فو الله ما عاب من عاب منكم شيئاً أجهله ، وما جئت شيئاً إلاّ وأنا أعرفه ، ولكنّي منّتني نفسي وكذّبتني ، وضلّ عنّي رشدي ، ولقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «من زلّ فليتب (١) ومن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة ، إنّ من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق» ، فأنا أوّل من اتّعظ ، أستغفر الله ممّا فعلت ، وأتوب إليه ، فمثلي نزع وتاب ، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليُروني رأيهم ، فو الله لئن ردّني إلى الحقّ عبد لأستننّ بسنّة العبد ، ولأذلنّ ذلّ العبد ، ولأكوننّ كالمرقوق ، إن مُلك صبر ، وإن عُتق شكر ، وما من الله مذهب إلاّ إليه ، فلا يعجزنّ عنكم خياركم أن يدنوا إليّ ، لئن أبت يميني لتتابعني شمالي.
قال : فرقّ الناس له يومئذٍ ، وبكى من بكى منهم ، وقام إليه سعيد بن يزيد (٢) فقال : يا أمير المؤمنين ليس بواصل لك من ليس معك ، الله الله في نفسك ، فأتمم على ما قلت.
فلمّا نزل عثمان وجد في منزله مروان وسعيداً (٣) ونفراً من بني أُميّة ولم يكونوا
__________________
(١) كذا في تاريخ الطبري : والصحيح ما مرّ في رواية البلاذري : من زلّ فليُنب. (المؤلف)
(٢) في تاريخ الطبري : سعيد بن زيد.
(٣) هو سعيد بن العاص. (المؤلف)