قال : وتكلّم صعصعة يوماً فأكثر ، فقال عثمان : يا أيّها الناس إنّ هذا البجباج النفّاج ما يدري من الله ولا أين الله. فقال : أمّا قولك : ما أدري من الله : فإنّ الله ربّنا وربّ آبائنا الأوّلين ، وأمّا قولك : لا أدري أين الله : فإنّ الله لبالمرصاد ، ثمّ قرأ : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (١). فقال عثمان : ما نزلت هذه الآية إلاّ فيّ وفي أصحابنا ، أخرجنا من مكة بغير حقّ.
وذكره الزمخشري في الفائق (٢) (١ / ٣٥) فقال : البجباج : الذي يهبر الكلام وليس لكلامه جهة ، وروي : الفجفاج ؛ وهو الصيّاح المكثار. وقيل : المأفون المختال. والنفّاج : الشديد الصلف.
وأوعز إليه ابن منظور في لسان العرب (٣) (٣ / ٣٢) ، وقال : البجباج من البجبجة التي تفعل عند مناغاة الصبي ، وبجباج فجفاج كثير الكلام ، والبجباج : الأحمق ، والنفّاج : المتكبّر.
وكذا ذكره ابن الأثير في النهاية (٤) (١ / ٧٢) ، والزبيدي في تاج العروس (٢ / ٦).
قال الأميني : هذا صعصعة الذي أسلفنا صفحة (٤٣) من هذا الجزء ذكر عظمته وفضله وبطولته وثقته في الدين والدنيا ، يرى أنّ الخليفة مال عن الحقّ فمالت أُمّته ولو اعتدل اعتدلت ، وفي تلاوته الآية الكريمة في محاورته إيذان بالحرب ، وأنّه ومن شاكله مظلومون من ناحية عثمان منصورون بالله تعالى ، فهو بذلك مستبيح لمنابذته ومناجزته ، لقد لهج صعصعة بهذه على رءوس الأشهاد والخليفة على المنبر يخطب ، فلم يسمع إنكاراً أو دفاعاً من أفاضل الصحابة العدول.
__________________
(١) الحج : ٣٩.
(٢) الفائق : ١ / ٧٨.
(٣) لسان العرب : ١ / ٣١٦.
(٤) النهاية في غريب الحديث والأثر : ١ / ٩٦.