تندم؟ أنت أشعرته. فأسمع سعداً يقول : أستغفر الله لم أكن أظنّ الناس يجترءون هذه الجرأة ولا يطلبون دمه ، وقد دخلت عليه الآن فتكلّم بكلام لم تحضره أنت ولا أصحابك ، فنزع عن كلّ ما كُره منه ، وأعطى التوبة ، وقال : لا أتمادى في الهلكة ، إنّ من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق ، فأنا أتوب وأنزع. فقال مروان : إن كنت تريد أن تذبّ عنه ، فعليك بابن أبي طالب فإنّه متستّر وهو لا يُجبه.
فخرج سعد حتى أتى عليّا وهو بين القبر والمنبر ، فقال : يا أبا الحسن قم فداك أبي وأُمّي جئتك والله بخير ما جاء به أحد قطّ إلى أحد ، تصل رحم ابن عمّك ، وتأخذ بالفضل عليه ، وتحقن دمه ، ويرجع الأمر على ما نحبّ ، قد أعطى خليفتك من نفسه الرضا. فقال عليّ : «تقبّل الله منه يا أبا إسحاق والله ما زلت أذبّ عنه حتى إنّي لأستحي ، ولكن مروان ومعاوية وعبد الله بن عامر وسعيد بن العاص هم صنعوا به ما ترى ، فإذا نصحته وأمرته أن ينحّيهم استغشّني حتى جاء ما ترى». قال : فبيناهم كذلك جاء محمد بن أبي بكر ، فسارّ عليّا ، فأخذ عليّ بيدي ، ونهض عليّ وهو يقول : «وأيّ خير توبته هذه؟» فو الله ما بلغت داري حتى سمعت الهائعة أنّ عثمان قد قتل ، فلم نزل والله في شرّ إلى يومنا هذا.
تاريخ الطبري (١) (٥ / ١٢١).
قال الأميني : يتراءى للقارئ من هذه الجمل أنّ سعداً خذل الخليفة على حين أنّه مكثور لا يُراد به إلاّ القتل وهو على علم منه أنّه مقتول لا محالة لما كان يرى أنّه غيّر وتغيّر ، وغير عازب عن سعد حينئذ حكم الشريعة بوجوب كلاءة النفس المحترمة للمتمكّن منها وهو يقول : وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه. حتى أنّه بعد هدوء الثورة غير جازم بأنّه ارتكب حوباً في خذلانه فيقول : إن كنّا أحسنّا فقد أحسنّا ، وإن كنّا أسأنا فنستغفر الله ، وعلى تقدير كونه إساءة يراها من اللمم الممحوّ
__________________
(١) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٣٧٧ حوادث سنة ٣٥ ه.