بشيء من أمره لمّا جاءه نافع بن طريف بكتاب (١) من الخليفة يستنجد الحجيج ويستغيث بهم ، على حين أنّه محصور ، فقرأه نافع على الناس بينما كان ابن عبّاس يخطب ، فلمّا نجزت قراءته أتمّ خطبته من حيث أفضت إليه ، ولم يلو إلى أمر عثمان وحصاره ، ولم ينبس في أمره ببنت شفة ، وكان في وسعه أن يستثيرهم لنصرته ، وهل ذلك كلّه لسوء رأي منه في الخليفة؟ أو لعدم الاهتمام في أمره؟ أو لحسن ظنّه بالثائرين عليه؟ إخترما شئت ، ولعلّك تختار تحقّق الجميع لدى ابن عبّاس ، وكأنّ عائشة شعرت منه ذلك ، فقالت يوم مرّ بها ابن عبّاس في منزل من منازل الحجّ : يا ابن عبّاس إنّ الله قد آتاك عقلاً وفهماً وبياناً فإيّاك أن تردّ الناس عن هذا الطاغية (٢).
ومن جرّاء رأيه الذائع الشائع كان يحذر معاوية ويخاف بطشه ، ولمّا قال له أمير المؤمنين عليهالسلام : «إذهب أنت إلى الشام فقد ولّيتكها». قال : إنّي أخشى من معاوية أن يقتلني بعثمان ، أو يحبسني لقرابتي منك ، ولكن اكتب معي إلى معاوية فمنّه وعِدْه. الحديث (٣).
وفي أثر ذلك الرأي كان يسكت عن لعن قتلة عثمان ، ولمّا كتب إليه معاوية : أن اخرج إلى المسجد والعن قتله عثمان. أجاب بقوله : لعثمان ولد وخاصّة وقرابة ، هم أحقّ بلعنهم منّي ، فإن شاءوا أن يلعنوا فليلعنوا ، وإن شاءوا أن يمسكوا فليمسكوا (٤).
__________________
(١) يأتي تفصيله في هذا الجزء عند ذكر كتب عثمان إن شاء الله. (المؤلف)
(٢) راجع ما مرّ في هذا الجزء من حديث عائشة. (المؤلف)
(٣) تاريخ ابن كثير : ٧ / ٢٢٨ [٧ / ٢٥٥ حوادث سنة ٣٥ ه] ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ٨٣ [٢ / ٣٠٧ حوادث سنة ٣٥ ه]. (المؤلف)
(٤) الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ١ / ١٤٨ [١ / ١٥٥]. (المؤلف)