رسول الله ، فرأيت رجلاً جاثياً على ركبتيه يتلهّف تلهّف من كأنّ الدنيا كانت له فَسُلِبها ، وهو يقول : وا عجباً لقريش ، ودفعهم هذا الأمر على (١) أهل بيت نبيّهم ، وفيهم أوّل المؤمنين ، وابن عمّ رسول الله ، أعلم الناس وأفقههم في دين الله ، وأعظمهم عناءً في الإسلام ، وأبصرهم بالطريق ، وأهداهم للصراط المستقيم ، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقيّ ، وما أرادوا إصلاحاً للأمّة ، ولا صواباً في المذهب ، ولكنّهم آثروا الدنيا على الآخرة ، فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين.
فدنوت منه فقلت : من أنت يرحمك الله ، ومن هذا الرجل؟ فقال : أنا المقداد بن عمرو ، وهذا الرجل عليّ بن أبي طالب ، قال : فقلت : ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال : يا ابن أخي إنّ هذا الأمر لا يجزي فيه الرجل ولا الرجلان ، ثمّ خرجت ، فلقيت أبا ذر ، فذكرت له ذلك ، فقال : صدق أخي المقداد ، ثمّ أتيت عبد الله بن مسعود ، فذكرت ذلك له ، فقال : لقد أخبرنا فلم نألُ.
وذكر ابن عبد ربّه في العقد (٢) (٢ / ٢٦٠) في حديث بيعة عثمان : فقال عمّار بن ياسر ـ لعبد الرحمن ـ : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليّا ، فقال المقداد بن الأسود : صدق عمّار إن بايعت عليّا ، قلنا : سمعنا وأطعنا. قال ابن أبي سرح : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان ، إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا. فشتم عمّار بن أبي سرح وقال : متى كنت تنصح للمسلمين؟ فتكلّم بنو هاشم وبنو أُميّة ، فقال عمّار : أيّها الناس إنّ الله أكرمنا بنبيّنا وأعزّنا بدينه ، فأنّى تُصرفون هذا الأمر عن بيت نبيّكم؟ فقال له رجل من بني مخزوم : لقد عدوت طورك يا ابن سميّة ، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها؟ فقال سعد بن أبي وقّاص : أفرغ قبل أن يفتتن الناس ، فلا تجعلنّ أيّها الرهط على أنفسكم سبيلا ، ودعا عليّا فقال : عليك عهد الله وميثاقه لتعملنّ بكتاب
__________________
(١) كذا في المصدر.
(٢) العقد الفريد : ٤ / ١٠٠.