حمارهم ، وهكذا علّمت الأمّة دروسها الراقية ، لكنَّ الخضريّ ومن يلفُّ لفّه قد أعشى الجهل أبصار بصائرهم.
لم يكن حسين التضحية يريد ملكاً عضوضاً ، حتى كان خروجه قبل الأُهبة خطأً عظيماً كما يحسبه الخضريُّ ، فيقول بملء فمه : فحيل بينه وبين ما يشتهي وقُتل دونه! ... وإنَّما أراد الفادي الكريم والمجاهد الظافر التضحية في سبيل الدين ؛ ليُعْلِم الأمّة بفظاظة الأمويِّين وقسوة سياستهم ، وابتعادهم عن الناموس البشريِّ فضلاً عن الناموس الدينيِّ ، وتوغّلهم في الغلظة الجاهليّة وعادات الكفر الدفين ؛ ليُعلِم الملأ الدينيّ كيف أنَّهم لم يوقّروا كبيراً ولم يرحموا صغيراً ، ولم يرقّوا على رضيع ، ولم يعطفوا على امرأة ، فقدّم إلى ساحات المفاداة أغصان الرسالة وأوراد النبوّة وأنوار الخلافة ، ولم يُبقِ جوهرة من هاتيك الجواهر الفردة ، فلم يعتم هو ولا هؤلاء إلاّ وهم ضحايا في سبيل تلك الطلبة الكريمة.
سل كربلا كم من حشاً لمحمدٍ |
|
نُهِبَتْ بها وكم استُجذّت من يدِ |
أقمارُ تمٍّ غالها خسفُ الردى |
|
واغتالها بصروفِهِ الزمنُ الردي |
وما كان حسين العظمة بالذي تذهب أعماله أدراج الرياح ، لما هو المعلوم بين أمّة جدِّه من شموخ مكانته ، ورفعة مقامه ، وعلمه المتدفِّق ، ورأيه الأصيل ، وعدله الواضح ، وتقواه المعلومة ، وأنَّه ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المستقي من تيّار فضله ، فلن تجد بين المسلمين من ينكر عليه شيئاً من هذه المآثر وإن كان ممّن لا يدين بخلافته ، فما كانت الأمّة تفوه بشيءٍ حول نهضته القدسيّة قبل التنقيب والنظر ، وقد نقّبوا وتروّوا فيها ، فوجدوها طبقاً لصالح المجتمع ، فلم يُسمع من أحدهم غير تقديس أو إكبار ، ولذلك لم تسمع أذن الدهر من أيّ أحدٍ ما تجرّأ به الخضريُّ بقوله : أخطأ.
(إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (١).
__________________
(١) المجادلة : ٢.