المسلمين وأُلفتهم ولَمِّ شعثهم ، فإنّه كلّما اتّسعت الدائرة التي منها يُختار الخليفة كثر الذين يرشِّحون أنفسهم لنيل الخلافة ، وإذا انضمَّ إلى ذلك اتِّساع المملكة الإسلاميّة ، وصعوبة المواصلات بين أطرافها ، وعدم وجود قوم معيَّنين يرجع إليهم الانتخاب ، فإنّ الاختلاف لا بُدَّ واقع. ونحن نشاهد أنَّه مع تفوّق بني عبد مناف على سائر قريش ، واعتراف الناس لهم بذلك وهم جزء صغير من قريش ، فإنَّهم تنافسوا الأمر وأهلكوا الأمّة بينهم ، فلو رضي الناس عن أسرةٍ ودانوا لها بالطاعة ، واعترفوا باستحقاق الولاية ، لكان هذا خير ما يُفعل لضمِّ شعث المسلمين.
إنَّ أعظم من ينتقد معاوية في تولية ابنه هم الشيعة ، مع أنّهم يرون انحصار ولاية الأمر في آل عليّ ، ويسوقون الخلافة في بنيه ، يتركها الأب منهم للابن ، وبنو العبّاس أنفسهم ساروا على هذه الخطّة (٢ / ١٢٠).
الجواب : لم ينتقد معاوية من ينتقده لمحض اختياره ، وإنّما انتقده من ناحيتين :
الأولى : عدم لياقته للتفرّد ، وهو كما قال أمير المؤمنين في كلام له : «لم يجعل الله ـ عزَّ وجلَّ ـ له سابقة في الدين ، ولا سلف صدق في الإسلام ، طليق ابن طليق ، حزبٌ من هذه الأحزاب ، لم يزل لله ـ عزَّ وجلَّ ـ ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين عدوّا هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين» (١) ، وفي الأمّة أهل الحلِّ والعقد الذين اختاروا خلافة أبي بكر ، ثمَ وافقوا على الوصيّة إلى عمر وأقرّوها ، وأصفقوا مع أهل الشورى على خلافة عثمان ، وأطبقوا على البيعة طوعاً ورغبةً لمولانا أمير المؤمنين ، فثبتت خلافته ، ووجبت طاعته ، ولزمت معاوية بيعته ، فكان هؤلاء موجودين بأعيانهم أو بنظرائهم وهم الذين نقموا على معاوية ذلك العقد المشؤوم.
الثانية : عدم لياقة من عيّنه من بعده ، وهو ذلك الماجن المتخلّع المتظاهر بالفجور ، إن لم نقل بالكفر والإلحاد.
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٦ / ٤ [٥ / ٨ حوادث سنة ٣٧ ه]. (المؤلف)