حجَّ أبو بكر رضى الله عنه ومعه أبو سفيان بن حرب ، فكلّم أبو بكر أبا سفيان فرفع صوته ، فقال أبو قحافة : اخفض صوتك يا أبا بكر عن ابن حرب. فقال أبو بكر : يا أبا قحافة إنَّ الله بنى بالاسلام بيوتاً كانت غير مبنيّة ، وهدم به بيوتاً كانت في الجاهليّة مبنيّة ، وبيت أبي سفيان ممّا هدم. انتهى.
وكان يوم بويع أبو بكر يثير الفتن ، ويقول : إنّي لأرى عجاجة لا يطفئها إلاّ دم ، يا آل عبد مناف فيمَ أبو بكر من أموركم؟ أين المستضعفان؟ أين الأذلاّن عليٌّ وعبّاسٌ؟ ما بالُ هذا الأمر في أقلِّ حيٍّ من قريش؟ ثمَّ قال لعليّ : ابسط يدك أبايعك ، فو الله لئن شئت لأملأنّها عليه خيلاً ورجلاً. فأبى عليٌّ عليهالسلام عليه ، فتمثّل بشعر المتلمّس (١) :
ولن يقيمَ على خَسْفٍ يُراد بهِ |
|
إلاّ الأذلاّنِ عيرُ الحيِّ والوتدُ |
هذا على الخَسْفِ مربوطٌ برمّتِهِ |
|
وذا يُشَجُّ فلا يبكي له أحدُ |
فزجره عليٌّ ، وقال : «والله ما أردتَ بهذا إلاّ الفتنة ، وإنّك والله طالما بغيت للإسلام شرّا ، لا حاجة لنا في نصحك» (٢). وجعل يطوف في أزقّة المدينة ، ويقول :
بني هاشمٍ لا تُطْمِعوا الناس فيكمُ |
|
ولا سيّما تيم بن مرّة أو عدي |
فما الأمر إلاّ فيكمُ وإليكمُ |
|
وليس لها إلاّ أبو حسنٍ علي |
فقال عمر لأبي بكر : إنَّ هذا قد قدم وهو فاعلٌ شرّا ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستألفه على الإسلام فدع له ما بيده من الصدقة. ففعل ، فرضي أبو سفيان وبايعه (٣).
وقد سبق الخضري في رأيه هذا معاوية ، فقال فيما كتب إلى عليٍّ أمير المؤمنين :
__________________
(١) هو جرير بن عبد المسيح من بني ضبيعة ، توجد ترجمته في الشعر والشعراء لابن قتيبة [ص ٩٩] ، ومعجم الشعراء. (المؤلف)
(٢) الكامل لابن الأثير : ٢ / ١٣٥ [٢ / ١١ حوادث سنة ١١ ه]. (المؤلف)
(٣) العقد الفريد : ٢ / ٢٤٩ [٤ / ٨٥]. (المؤلف)