عليه بعد ذلك ونهاه عن محبّته ، وافترض عليه عداوته.
الجواب : النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن أكّد على صلة الأرحام ، لكنَّه كان يرى الكفر حاجزاً عنها وإن تأكّدت معه وشائج الرحم ، ولذلك قلى أبا لهب وهتف بالبراءة منه بسورة مستقلّة ، ولم يرفع قيد الأسار عن عمِّه العبّاس وابن عمّه عقيل إلاّ بعد تظاهرهما بالإسلام ، وأجرى عليهما حكم الفدية مع ذلك ، وفرّق بين ابنته زينب وزوجها أبي العاص طيلة مقامه على الكفر حتى أسلم وسلم.
فلم يكن محبّة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لمن يحبّه إلاّ لثباته في الإيمان ورسوخ كلمة الحقّ وتمكّنه من فؤاده ، فهو إذا أحبَّ أحداً كان ذلك آية تضلّعه في الدين وتحلّيه باليقين ، وهذه قضيّة قياسها معها ، وهي مرتكزة في القلوب جمعاء ، حتى أنّ ابن حزم نفسه احتجّ بأفضليّة عائشة على جميع الأمّة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بحديث باطل رواه ، من أنَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لها : أنتِ أحبّ الناس إليَّ.
وأمّا أبو طالب فقد اعترف الرجل بمحبّة النبيّ له أوّلاً ، ونحن نصدّقه على ذلك ونراه فضلاً له وأيَّ فضل.
وأمّا دعواه تحريم المحبّة بعد ذلك ، ونهي الله عنها ، وأمره بعداوته ، فغير مقرونة بشاهد ، وهل يسعه دعوى الفرق بين يومي النبيّ معه قبل التحريم وبعده؟
وهل يمكنه تعيين اليوم الذي قلاه فيه أو السنة التي هجره فيها وافترضت عليه عداوته؟
التاريخ خلو من ذلك كلّه ، بل يُعلمنا الحديث والسيرة أنَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يفارقه حتى قضى أبو طالب نحبه ، فطفق يؤبّنه وقال لعليّ : «اذهب فاغسله وكفّنه وواره ، غفر الله له ورحمه» (١) ، ورثاه عليّ بقوله :
__________________
(١) طبقات ابن سعد : ١ / ١٠٥ [١ / ١٢٤]. (المؤلف)