ودعوتهم إلى مخالفتك (وَيَذَرَكَ) عطف على «يفسدوا» ، لأنّه إذا تركهم ولم يمنعهم فكان ذلك مؤدّيا إلى ترك آلهته. أو جواب الاستفهام بالواو ، كقول الحطيئة :
ألم أك جاركم ويكون بيني |
|
وبينكم المودّة والإخاء |
على معنى : أيكون منك ترك موسى ، ويكون منه تركه إيّاك؟
(وَآلِهَتَكَ) معبوداتك. قيل : كان يعبد الكواكب. وقيل : صنع لقومه أصناما ، وأمرهم أن يعبدوها تقرّبا إليه ، ولذلك قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (١).
(قالَ) فرعون (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) أي : سنعيد عليهم كما كنّا نفعل من قتل الأبناء واستعباد النساء ، ليعلم موسى أنّا على ما كنّا عليه من القهر والغلبة ، ولا يتوهّم أنّه المولود الّذي حكم المنجّمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده ، ويعلم أنّ غلبته لا أثر لها في ملكنا. (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) غالبون ، وهم مقهورون تحت أيدينا.
ولمّا سمع بنو إسرائيل قول فرعون وتضجّروا منه (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) تسكينا لهم وتسلية لقلوبهم : (اسْتَعِينُوا) في دفع الأعادي عنكم (بِاللهِ وَاصْبِرُوا) على أذيّتهم.
ثم قال تقريرا للأمر بالاستعانة بالله ، والتثبّت بالأمر بالصبر : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي : ينقلها إلى من يشاء نقل المواريث ، فيورّثكم بعد هلاك فرعون كما أورثها فرعون (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). فهذا وعد لهم بالنصرة ، وتذكير لما وعدهم من إهلاك القبط وتوريثهم ديارهم ، وتحقيق له ، وبشارة بأنّ الخاتمة المحمودة للمتمسّكين بالتقوى ، وأنّ المشيئة متناولة لهم. واللام في الأرض تحتمل العهد ، وهو أرض مصر ، أو للجنس.
(قالُوا) أي : بنو إسرائيل (أُوذِينا) بقتل الأبناء واستعباد النساء (مِنْ قَبْلِ
__________________
(١) النازعات : ٢٤.