(انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) نكرّرها تارة في جهة النعمة ، ومرّة في جهة الشدّة ، وتارة من جهة الترغيب والترهيب ، وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدّمين (ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) يعرضون عنها. و «ثمّ» لاستبعاد الإعراض بعد تصريف الآيات وظهورها. وإنّما قال : «انظر» لأنّه سبحانه عجب أوّلا من تتابع نعمه عليهم وضروب دلائله ، من تعريف الآيات وأسباب الاعتبار ، ثمّ عجب ثانيا من إعراضهم عنها.
ولمزيد التنبيه والمبالغة في رفع الأعذار زاد في الحجاج ، فقال : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) أي : أعلمتم (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً) من غير ظهور مقدّمة (أَوْ جَهْرَةً) بتقدمة أمارة تؤذن بحلوله. فمقابلة الجهرة البغتة ، لما في البغتة من معنى الخفية.
وقيل : البغتة أن يأتيهم العذاب ليلا ، والجهرة أن يأتيهم نهارا. (هَلْ يُهْلَكُ) أي : ما يهلك هلاك سخط وتعذيب (إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) الكافرون الّذين ظلموا بكفرهم وفسادهم. ولمّا كانت «هل» متضمّنة للنفي صحّ الاستثناء المفرّغ منه.
(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩))
ثمّ بيّن سبحانه أنّه لا يبعث الرسل أربابا يقدرون على كلّ شيء يسألون عنه من الآيات ، وإنّما يرسلهم لما يعلمه من المصالح ، فقال : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) المؤمنين ومن آمن بهم وأطاعهم بالجنّة (وَمُنْذِرِينَ) من كذّبهم وعصاهم بالنار. ولم نرسلهم ليقترح عليهم الآيات بعد وضوح أمرهم