(قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) قد جاروا عن قصد الطريق جورا شديدا ، وزالوا عن المحجّة الّتي هي دين الله الّذي ارتضاه وبعثك به إلى خلقه زوالا بعيدا عن الرشاد ، لأنّهم قد جمعوا بين الضلال والإضلال ، ولأنّ المضلّ يكون أغرق في الضلال ، وأبعد من الانقلاع عنه.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : جحدوا (وَظَلَمُوا) محمدا بإنكار نبوّته وتكذيبهم إيّاه. أو الناس بصدّهم عمّا فيه صلاحهم وخلاصهم ، أو بأعمّ من ذلك. وعلى هذا تدلّ الآية على أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع ، إذ المراد بهم الجامعون بين الكفر والظلم (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) بترك عقابهم على ذنوبهم (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) لجري حكمه السابق ووعده المحتوم على أنّ من مات على كفره فهو خالد في النار. و «خالدين» حال مقدّرة (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) لا يستصعبه ولا يستعظمه.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠))
ولمّا قرّر أمر النبوّة ، وبيّن الطريق الموصل إلى العلم بها ، ووعيد من أنكرها ، خاطب الناس عامّة بالدعوة وإلزام الحجّة ، والوعد بالإجابة والوعيد على الردّ ، فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ) يعني : محمدا (بِالْحَقِ) بالدين الّذي ارتضاه الله لعباده. وعن أبي جعفر عليهالسلام : بولاية من أمر الله سبحانه بولايته.
(مِنْ رَبِّكُمْ) من عند ربّكم (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) أي : إيمانا خيرا لكم. أو اقصدوا أو ائتوا