حتّى كان افتتانهم سببا (لِيَقُولُوا) على وجه الإنكار (أَهؤُلاءِ) أي : المسلمون (مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) أي : أنعم عليهم بالتوفيق لإصابة الحقّ ، والتوفيق والهداية ، من دوننا ونحن الرؤساء والأشراف ، وهم العبيد والأرذال؟! ومثل هذا القول لا يصدر إلّا عن مفتون مخذول. وهذا مثل قولهم : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) (١).
واللام للتعليل ، على أنّ «فتنّا» متضمّن معنى : خذلنا. أو للعاقبة ، والمعنى : أن افتتانهم يؤول إلى هذا القول.
(أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) بمن يقع منه الايمان والشكر من أهل الاسترشاد فيوفّقه ، وبمن لا يقع منه من أهل الإنكار والعناد فيخذله. والاستفهام للتقرير ، أي : الله أعلم بهم البتّة.
وفي هذا دليل واضح على أنّ فقراء المؤمنين وضعفاءهم أولى بالتقديم والتقريب والتعظيم من أغنيائهم ، ولقد قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «من أتى غنيّا فتواضع لغنائه ذهب ثلثا دينه».
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤))
ثمّ أمر سبحانه بتعظيم المؤمنين ، فقال : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) وهم المؤمنون الّذين يدعون ربّهم. وصفهم بالإيمان بالقرآن واتّباع الحجج ، بعد ما
__________________
(١) الأحقاف : ١١.