بالعذاب (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) أي : يقولون : أخرجوها إلينا من أجسادكم ، تغليظا وتعنيفا عليهم ، أو أخرجوها من العذاب وخلّصوها من أيدينا ، أي : لا تقدرون على الخلاص. وجواب «لو» محذوف ، أي : لو ترى هذه الحالة لرأيت أمرا عظيما.
(الْيَوْمَ) يريد به وقت الإماتة ، أو الوقت الممتدّ من الإماتة إلى ما لا نهاية له (تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي : الهوان ، يريد العذاب المتضمّن لشدّة وإهانة.
وإضافته إلى الهون لعراقته (١) وتمكّنه فيه ، كقولك : رجل سوء. فالمراد التمكّن في العراقة وأنّه عريق فيه. (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِ) كادّعاء الولد والشريك له ، ودعوى النبوّة والوحي كاذبا. (وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) فلا تتأمّلون فيها ، ولا تؤمنون بها.
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤))
ثمّ بيّن سبحانه تمام ما يقال لهم على سبيل التوبيخ ، فقال : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا) للحساب والجزاء (فُرادى) منفردين عن الأموال والأولاد وسائر ما آثرتموه من الدنيا ، أو عن الأعوان والأوثان الّتي زعمتم أنّها شفعاؤكم. وهو جمع فرد ، والألف للتأنيث ، ككسالى. قيل : نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة حين قال : سوف تشفع لي اللّات والعزّى.
وقوله : (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بدل من فرادى ، أي : على الهيئة
__________________
(١) أي : لأصالته ، والعرق : أصل كلّ شيء.