في معرض مدحهم : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (١). فنبّههم الله سبحانه هنا على حفظ اللسان عن السوء على وجه العموم بعد ذكر أحوال أهل النفاق والكفر ، لئلّا ينجرّ إلى صدور البذاء والفحش من الكفّار ، فقال : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) إلّا جهر من ظلم ، بالدعاء على الظالم والتظلّم منه.
فاستثنى من الجهر الّذي لا يحبّه الله جهر المظلوم ، وهو أن يدعو على الظالم ، ويذكره بما فيه من السوء.
وقيل : هو ردّ الشتم بما يجوز في الدين على الشاتم انتصارا منه. وهو مرويّ عن أبي جعفر عليهالسلام.
ونظيره : (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) (٢). والتفسير الأوّل منقول عن ابن عبّاس.
وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام : «أنّ رجلا ضاف قوما فلم يطعموه ، فاشتكاهم ، فعوتب عليه ، فنزلت». ثم قال : «إنّ الضيف إذا نزل بالرجل فلا يحسن ضيافته ، فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء ما فعله».
(وَكانَ اللهُ سَمِيعاً) لكلام المظلوم (عَلِيماً) بالظالم.
(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩))
ثم حثّ سبحانه على العفو ، وأن لا يجهر أحد لأحد بسوء وإن كان على وجه الانتصار ، حثّا على الأحبّ إليه والأفضل عنده ، فقال : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) طاعة وبرّا ، قولا وفعلا (أَوْ تُخْفُوهُ) أو تفعلوه سرّا (أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) أي : تصفحوا
__________________
(١) الفرقان : ٦٣.
(٢) الشعراء : ٢٢٧.