الناسي (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) أي : قد تبيّن لنا أنّهم جاؤا بالحقّ (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ) تمنّوا أن يكون لهم شفعاء (فَيَشْفَعُوا لَنا) اليوم في إزالة العقاب (أَوْ نُرَدُّ) أو هل نردّ إلى الدنيا (فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) جواب الاستفهام الثاني.
(قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بصرف أعمارهم في الكفر (وَضَلَّ عَنْهُمْ) وبطل (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) على الأصنام بقولهم إنّها آلهة تشفع لنا ، فلم تنفعهم.
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤))
ولمّا ذكر سبحانه الكفّار وعبادتهم غير الله ، احتجّ عليهم بمقدوراته ومصنوعاته ، ودلّهم بذلك على أنّه لا معبود سواه ، فقال مخاطبا لجميع الخلق : (إِنَّ رَبَّكُمُ) خالقكم ومالككم (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أنشأهما وأوجدهما (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي : في ستّة أوقات ، كقوله : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) (١) أي : وقتئذ. أو في مقدار ستّة أيّام من أيّام الدنيا ، فإنّ المتعارف في اليوم زمان طلوع الشمس إلى غروبها. ولم يكن خلق الأشياء بالتدريج مع قدرته على إيجاده دفعة ، إلا ليدلّ على اختياره وقدرته ، ولتعتبره النظّار ، وليكون حثّا على التأنّي والرفق في الأمور. وخلقهما في هذه المدّة لا أزيد ولا أقلّ ، ورتّبهما على الأسبوع ، فابتدأ بالأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ، لمصلحة لا يعلمها إلّا هو.
__________________
(١) الأنفال : ١٦.