الصورة ، وبمعنى مطلق القلب والتغيير ، ولذلك قيل في معناه : من قبل أن نغيّر وجوها ، فنسلب وجاهتها وإقبالها ، ونكسوها الصّغار والإدبار. أو نردّها إلى حيث جاءت منه ، وهي أذرعات الشام ، يعني : إجلاء بني النضير. ويقرب منه قول من قال : إنّ المراد بالوجوه الوجهاء والرؤساء ، أي : من قبل أن نغيّر أحوال وجهائهم ، فنسلبهم وجاهتهم وإقبالهم ، ونكسوها صغارهم وإدبارهم. أو المراد : نعمي الأبصار عن الاعتبار ، ونصمّ الأسماع عن الإصغاء إلى الحقّ بالطبع والتخلية ، ونردّها عن الهداية إلى الضلالة ، ختما وتخلية.
(أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) أو نخزيهم بالمسخ كما أخزينا به أصحاب السبت ، أو نلعنهم على لسانك كما لعنّا أصحاب السبت على لسان داود.
والضمير لأصحاب الوجوه ، أو لـ «الّذين» على طريقة الالتفات ، أو للوجوه إن أريد به الوجهاء. وعطفه على الطمس بالمعنى الأوّل يدلّ على أنّ المراد به ليس مسخ الصورة في الدنيا. ومن حمل الوعيد على تغيير الصورة في الدنيا قال : إنّه بعد مترقّب ، ولا بدّ من طمسهم ولعنهم قبل يوم القيامة ، أو كان وقوعه مشروطا بعدم إيمانهم ، وقد آمن منهم طائفة ، كعبد الله بن سلام وأسد بن سعية وثعلبة بن سعية وأسد بن عبيد ومخريق وغيرهم ، وأسلم كعب في أيّام عمر.
(وَكانَ أَمْرُ اللهِ) من وعد ووعيد ، وما حكم به وقضاه (مَفْعُولاً) نافذا وكائنا ، فيقع لا محالة ما أو عدتم به إن لم تؤمنوا.
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨))
ثم إنّه سبحانه آيس الكفّار من رحمته فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) لأنّه بتّ الحكم على خلود عذابه ، وأنّ ذنبه لا ينمحي عنه أثره ، فلا يستعدّ للعفو ،