عن شأن ، وعلى أنّ المكلّفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان. فالآية كالدليل على أنّه قادر على أن ينزّل آية.
(ما فَرَّطْنا) ما تركنا وما أغفلنا (فِي الْكِتابِ) يعني : اللوح المحفوظ (مِنْ شَيْءٍ) من الأرزاق والآجال والأعمال وغير ذلك ، فإنّه مشتمل على ما يجري في العالم من جليل ودقيق ، لم يهمل فيه أمر حيوان ولا جماد.
وقيل : المراد به القرآن ، فإنّه قد دوّن فيه ما يحتاج إليه من أمر الدين مجملا أو مفصّلا. و «من» زائدة ، و «شيء» في موضع المصدر لا المفعول به ، فإنّ «فرّط» لا يتعدّى بنفسه ، وقد عدّي بـ «في» إلى الكتاب.
(ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) يعني : الأمم كلّها ، فينصف بعضها من بعض ، كما روي أنّه يأخذ للجمّاء (١) من القرناء. وعن ابن عبّاس حشرها موتها.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩))
وبعد ذكر آثار قدرته ، وبيان ما يشهد لربوبيّته ، وينادي على عظمته ، بيّن حال المتمرّدين المعاندين بقوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌ) أي : لا يسمعون مثل هذه الآيات الدالّة على ربوبيّته وكمال علمه وعظم قدرته ، سماعا تتأثّر به نفوسهم (وَبُكْمٌ) لا ينطقون بالحقّ (فِي الظُّلُماتِ) خبر ثالث ، أي : خابطون في ظلمات الكفر ، أو في ظلمة الجهل ، وظلمة العناد ، وظلمة التقليد. ويجوز أن يكون حالا من المستكن في الخبر.
(مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) أي : يخذله ويخلّه ، فلا يلطف له ، لأنّه ليس من أهل
__________________
(١) أي : ينتقم من العنزة القرناء ـ وهي التي لها قرن ـ للجمّاء ، وهي التي لا قرن لها.