عن الحرم ، فأنزلهم وأكرمهم ، وكانوا أخواله وأصهاره. فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنّيهم الجرادتان ـ قينتان كانتا لمعاوية بن بكر ـ اسم إحداهما وردة والاخرى جرادة ، فقيل لهما الجرادتان على التغليب.
فلمّا رأى طول مقامهم وذهولهم باللهو عمّا قدموا له أهمّه ذلك ، وقال : قد هلك أخوالي واصهاري وهؤلاء على ما هم عليه. وكان يستحي أن يكلّمهم خيفة أن يظنّوا به ثقل مقامهم عليه ، فذكر ذلك للقينتين. فقالتا : قل شعرا نغنّيهم به لا يدرون من قاله. فقال معاوية :
ألا يا قيل ويحك قم فهينم (١) |
|
لعلّ الله يسقينا غماما |
فيسقي أرض عاد إن عادا |
|
قد أمسوا ما يبينون الكلاما |
فلمّا غنّتا به قالوا : إنّ قومكم يتغوّثون من البلاء الّذي نزل بهم ، وقد أبطأتم عليهم ، فادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم.
فقال لهم مرثد بن سعد : والله لا تسقون بدعائكم ، ولكن إن أطعتم نبيّكم وتبتم إلى الله سقيتم ، وأظهر إسلامه.
فقالوا لمعاوية : احبس عنّا مرثدا ، لا يقدمنّ معنا مكّة ، فإنّه قد اتّبع دين هود وترك ديننا. ثمّ دخلوا مكّة.
فقال قيل : اللهمّ اسق عادا ما كنت تسقيهم.
فأنشأ الله سحابات ثلاثا : بيضاء ، وحمراء ، وسوداء. ثمّ ناداه مناد من السماء يا قيل : اختر لنفسك وقومك.
فقال : اخترت السوداء ، فإنّها أكثرهنّ ماء. فخرجت على عاد من واد لهم يقال له : المغيث. فاستبشروا بها وقالوا : هذا عارض ممطرنا. فجاءتهم منها ريح عقيم ، فتدمغهم بالحجارة فأهلكتهم. ونجا هود والمؤمنون معه ، فأتوا مكّة ، فعبدوا الله فيها حتى ماتوا.
وروى أبو حمزة الثمالي ، عن سالم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إنّ لله بيت ريح
__________________
(١) أمر من الهينمة ، وهو الصوت الخفيّ ، أي : فادع الله تعالى.