السَّاجِدِينَ) ممّن سجد لآدم.
(قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) أي : أن تسجد و «لا» صلة ، كما في : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (١) ، فإنّه بمعنى : ليعلم ، بدليل قوله : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (٢). والفائدة في زيادتها توكيد معنى الفعل الّذي دخلت عليه وتحقيقه ، كأنّه قيل : ما منعك أن تحقّق السجود وتلزمه نفسك ، والتنبيه على أنّ الموبّخ عليه ترك السجود. وقيل : الممنوع عن الشيء مضطرّ إلى خلافه ، فكأنّه قيل : ما اضطرّك إلى أن لا تسجد (إِذْ أَمَرْتُكَ). فيه دليل على أنّ مطلق الأمر للوجوب والفور.
(قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) وإنّما سأله عن المانع من السجود ، وقد علم ما منعه ، توبيخا له ، وإظهارا لمعاندته وكفره وكبره ، وافتخاره بأصله ، وازدرائه بأصل آدم ، وأنّه خالف أمر ربّه معتقدا أنّه غير واجب عليه ، لمّا رأى أنّ سجود الفاضل للمفضول خارج من الصواب ، ولهذا قال في جوابه : أنا خير منه. وحقيقة الجواب أن يقول : منعني كذا وكذا ، إلّا أنّه أجاب بما يكون جوابا من حيث المعنى ، استبعادا لأن يكون مثله مأمورا بالسجود لمثله ، كأنّه قال : المانع فيه أنّي خير منه ، ولا يحسن للفاضل أن يسجد للمفضول ، فكيف يحسن أن يؤمر به؟ يعني : من كان على مثل صفتي يستبعد أن يؤمر بما أمرت به. فهو الّذي سنّ التكبّر.
عن ابن عبّاس : قاس إبليس فأخطأ القياس ، وهو أوّل من قاس ، فمن قاس الدين بشيء من رأيه قرنه الله بإبليس. وقال ابن سيرين : أوّل من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس والقمر إلّا بالمقاييس.
ثمّ بيّن علّة خيريّته وقال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فهو تعليل لفضله على آدم. ومراده منه : أنّ النار أشرف من الطين ، وهو خلق منها وآدم من الطين ، فلم يجز أن يسجد الأشرف للأدون.
__________________
(١) الحديد : ٢٩.
(٢) ص : ٧٥.