القبيلتين ، فقال : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) أن يلطف به ويوفّقه للإيمان. ولا يفعل ذلك إلّا بمن يعلم أنّ له لطفا. (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) فيتّسع له ويفسح فيه مجاله ، ويثبت عزمه عليه ، ويقوّي دواعيه على التمسّك به ، لطفا له بذلك ومنّا عليه ، حتى تسكن نفسه إليه وتنشرح ، حيث تكون النفس طالبة للرشاد والاهتداء ، عائقة عن العناد والمكابرة. وإليه أشار صلىاللهعليهوآلهوسلم حين سئل عنه فقال : «نور يقذفه الله تعالى في قلب المؤمن ، فينشرح له وينفسح. فقالوا : هل لذلك من أمارة يعرف بها؟ فقال : نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله».
(وَمَنْ يُرِدْ) الله (أَنْ يُضِلَّهُ) أي : يخذله ويخلّيه وشأنه ، وهو الّذي لا يلطف له (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) بأن يمنعه ألطافه حتّى يقسو قلبه ، وينبو عن قبول الحقّ وينسدّ ، فلا يدخله الإيمان. وقرأ ابن كثير : ضيقا بالتخفيف ، ونافع وأبو بكر عن عاصم : حرجا بالكسر ، أي : شديد الضيق ، والباقون بالفتح وصفا بالمصدر.
(كَأَنَّما يَصَّعَّدُ) يتصعّد (فِي السَّماءِ) أي : إذا دعي إلى الإسلام كأنّما يزاول أمرا غير ممكن ، لأنّ صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة ، ويضيق عنه القدرة. وقيل : معناه : كأنّما يتصاعد إلى السماء نبوّا عن الحقّ ، وتباعدا في الهرب منه. وقرأ ابن كثير : يصعد ، وأبو بكر عن عاصم : يصّاعد ، بمعنى : يتصاعد.
(كَذلِكَ) أي : كما يضيق صدره ويبعد قلبه عن الحقّ بالخذلان والتخلية (يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أي : الخذلان ومنع التوفيق عليهم.
فوضع الظاهر موضع الضمير للتعليل. وصفه تعالى بنقيض ما يوصف به التوفيق من الطيب ، أو أراد الفعل الّذي يؤدّي إلى الرجس ، وهو العذاب ، من الارتجاس ، وهو الاضطراب.