بالعذاب أو بالقرآن (وَهُوَ الْحَقُ) الواقع لا محالة ، أو الصدق (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) بحفيظ وكلّ إليّ أمركم ، فأمنعكم من التكذيب إجبارا أو أجازيكم ، إنّما أنا منذر والله الحفيظ.
ثمّ قال تهديدا وإيعادا : (لِكُلِّ نَبَإٍ) لكلّ شيء ينبأ ويخبر به ، إمّا العذاب أو الإيعاد به (مُسْتَقَرٌّ) وقت استقرار ووقوع لا بدّ من حصوله (وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عند وقوعه في الدنيا أو في الآخرة.
(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) فلا تجالسهم ، وقم عنهم (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) فلا بأس بأن تجالسهم حينئذ. والضمير عائد إلى معنى الآيات ، لأنّها القرآن.
(وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ) بأن يشغلك بوسوسته حتّى تنسى النهي عن مجالستهم. وقرأ ابن عامر : ينسّينّك بالتشديد. (فَلا تَقْعُدْ) معهم (بَعْدَ الذِّكْرى) بعد أن تذكر النهي (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : معهم. فوضع الظاهر موضعه ، دلالة على أنّهم ظلموا بوضع التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والاستعظام. ويجوز أن يراد : إن أنساك قبل النهي قبح مجالسة المستهزئين ، لأنّها ممّا تنكره العقول ، فلا تقعد معهم بعد أن ذكّرناك قبحها ونبّهناك عليه.
واعلم أنّ النسيان المنفيّ عن الأنبياء وكذا السهو هو الّذي فيما يؤدّونه عن الله ، وأمّا ما سواه فقد جوّز أصحابنا عليهم أن ينسوه أو يسهوا عنه ، ما لم يؤدّ ذلك إلى إخلال بالأدلّة العقليّة وخطأ فيها ، وكيف لا يكون كذلك! وقد جوّزوا عليهم النوم والإغماء ، وهما من قبيل السهو. كذا قال الطبرسي في تفسيره الجامع (١).
__________________
(١) لم نجده في جوامع الجامع ، وذكره في مجمع البيان ٤ : ٣١٧.