(وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ومن يكفر بشيء من ذلك (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) عن المقصد بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه ، لأنّ الكفر بالبعض كفر بالكلّ ، ألا ترى كيف قدّم الإيمان بالجميع.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) يعني : اليهود آمنوا بموسى عليهالسلام (ثُمَّ كَفَرُوا) به حين عبدوا العجل (ثُمَّ آمَنُوا) بعد عوده إليهم (ثُمَّ كَفَرُوا) بعيسى عليهالسلام (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقيل : هم طائفة من أهل الكتاب أرادوا تشكيك المسلمين بإظهار الإيمان ثمّ بإظهار الكفر به ، كما تقدّم ذكرهم عند قوله : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (١).
وقيل : هم قوم تكرّر منهم الارتداد ، ثمّ أصرّوا على الكفر وازدادوا تماديا في الغيّ.
وقيل : هم المنافقون أظهروا الإيمان بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ الكفر به ، ثمّ الايمان به ، ثمّ الكفر به ، ثمّ ازدادوا كفرا بإصرارهم على الكفر حتّى ماتوا عليه.
وعن ابن عبّاس : دخل في هذه الآية كلّ منافق كان في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) بإظهارهم الإيمان ، فلو كانت بواطنهم كظواهرهم في الإيمان لما كفروا فيما بعد (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) سبيل الجنّة ، كما قال فيما بعد : (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) (٢). أو المعنى : أنّه يخذلهم
__________________
(١) آل عمران : ٧٢.
(٢) النساء : ١٦٨ ـ ١٦٩.