لينزجروا عن النفاق والكفر ، ويطيعوا أمر الرسول. وأصل التدبّر النظر في أدبار الأمور ، والتأمّل فيها ، ثم استعمل في كلّ تأمّل.
(وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ) أي : ولو كان من كلام البشر كما زعم البشر (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) لكان الكثير منه مختلفا متناقضا متفاوتا نظمه ومعانيه ، وكان بعضه فصيحا ، وبعضه ركيكا ، وبعضه معجزا يصعب معارضته ، وبعضه غير معجز يسهل معارضته ، وبعضه أخبارا مستقبلة أو ماضية لا يوافق المخبر عنه ، وبعضه موافقا للعقل في بعض أحكامه دون بعض ، على ما دلّ عليه الاستقراء في تصانيفهم ، لنقصان القوّة البشريّة. فلمّا تناسب كلّه من حيث توافق النظم ، وصحّة المعاني ، وصدق الأخبار ، واشتماله على أنواع الحكم من أمر بحسن ونهي عن قبيح ، وعلى الدعاء إلى مكارم الأخلاق ، والحثّ على الخير والزهد ، مع فصاحة اللفظ على وجه فاق على جميع قوى الفصحاء والبلغاء ، علم أنّه ليس إلّا من جهة الله تعالى القادر على ما لا يقدر عليه غيره ، والعالم بما لا يعلمه أحد سواه.
واعلم أنّ الاختلاف في الكلام يكون على ثلاثة اضرب : اختلاف تناقض ، واختلاف تفاوت ، واختلاف تلاوة. واختلاف التفاوت يكون في الحسن والقبح ، والخطأ والصواب ، ونحو ذلك ممّا تدعو إليه الحكمة وتصرف عنه. وهذا القسم لا يوجد في القرآن البتّة ، كما لا يوجد اختلاف التناقض ، كما قال : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (١). وأمّا اختلاف التلاوة فهو ما يتلاوم في الجنس ، كاختلاف وجوه القرآن ، واختلاف مقادير الآيات والسور ، واختلاف الأحكام في الناسخ والمنسوخ ، وذلك موجود في القرآن ، وكلّه حقّ وصواب.
وهذه الآية تضمّنت الدلالة على معان كثيرة :
منها : بطلان التقليد ، وصحّة الاستدلال في أصول الدين ، لأنّه سبحانه دعا
__________________
(١) فصّلت : ٤٢.