روي أنّ اليهود قالوا : منذ دخل محمد المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها ، فحكى الله تعالى عنهم بقوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) كما تقع الحسنة والسيّئة على الطاعة والمعصية ، تقعان على النعمة والبليّة ، قال الله تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (١). وهما المراد في الآية.
والمعنى : إن تصبهم نعمة ـ كخصب ـ نسبها اليهود إلى الله ، وإن تصبهم بليّة ـ كقحط ـ نسبوها إليك ، وقالوا : هي من عندك وبشؤمك ، كما حكى عن قوم موسى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) (٢). وعن قوم صالح : (اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) (٣). فردّ الله تعالى عليهم بقوله : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) يبسطها ويقبضها حسب إرادته ، ليبتلي بذلك عباده ليعرضهم لثوابه ، بالشكر عند العطيّة والصبر على البليّة.
(فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) يوعظون به ، وهو القرآن ، فإنّهم لو فهموه وتدبّروا معانيه لعلموا أنّ الله هو الباسط القابض ، وأفعاله كلّها صادرة عن حكمة وصواب. أو لا يفقهون حديثا مّا ، كبهائم لا أفهام لها. أو لا يفقهون أمرا حادثا من صروف الزمان فيتفكّروا فيها ، فيعلموا أنّ القابض والباسط هو الله.
وقيل : هؤلاء هم المنافقون ، مثل عبد الله بن أبيّ وأصحابه الّذين تخلّفوا عن القتال يوم أحد ، وقالوا للّذين قتلوا في الجهاد : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا.
فعلى هذا معناه : إن يصبهم ظفر وغنيمة قالوا : هذا من عند الله ، وإن يصبهم مكروه وهزيمة قالوا : هذا من عندك وبسوء تدبيرك.
__________________
(١) الأعراف : ١٦٨.
(٢) الأعراف : ١٣١.
(٣) النمل : ٤٧.