في دعائهم ، مبالغة في الحثّ على تناهي ظلم المشركين بحيث بلغ أذاهم الصبيان ، واستنزالا لرحمة الله ، واستدفاعا للبليّة بسبب مشاركة دعاء صغارهم الّذين لم يذنبوا ، كما فعل قوم يونس عليهالسلام ، وكما وردت السنّة بإخراجهم في الاستسقاء. وعن ابن عبّاس : أنا وأمّي من المستضعفين من النساء والولدان.
وقيل : المراد بالولدان العبيد والإماء. وهو جمع وليد ، بمعنى الولد والرقّ.
(الَّذِينَ يَقُولُونَ) في دعائهم (رَبَّنا أَخْرِجْنا) سهّل لنا الخروج (مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) تذكير الظالم وإن كان وصفا للقرية لأنّه مسند إلى أهلها ، فأعطي إعراب القرية. (وَاجْعَلْ لَنا) بألطافك وتوفيقك (مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) يلي أمرنا بالكفاية ، حتّى ينقذنا من أيدي الظلمة (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) ينصرنا على من ظلمنا. فاستجاب الله دعاءهم ، بأن يسّر لبعضهم الخروج إلى المدينة ، وجعل لمن بقي منهم خير وليّ وناصر ـ هو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ حين فتح مكّة على نبيّه ، فتولّاهم أحسن التولّي ، ونصرهم أعزّ النصر. ثم استعمل عليهم عتّاب بن أسيد ، فحملهم ونصرهم ، حتى صاروا أعزّ أهلها.
ثم شجّع المجاهدين ورغّبهم في الجهاد ، فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) في نصرة دين الله وإعلاء كلمته فيما يصلون به إلى الله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) في طاعة الشيطان ، وفيما يبلغ بهم إليه.
ولمّا ذكر مقصد الفريقين أمر أولياءه بمقاتلة أولياء الشيطان ، فقال : (فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ) المراد جميع الكفّار. ثم شجّعهم بقوله : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) أي : كيده للمؤمنين بالإضافة إلى كيد الله تعالى للكافرين ضعيف لا يعتدّ به ، فلا تخافوا أولياءه ، فإنّ اعتمادهم على أضعف شيء وأوهنه. وفي ذكر «كان» دلالة على أنّ الضعف لازم لكيد الشيطان في جميع الأحوال والأوقات ، ما مضى منها وما يستقبل ، وليس هو عارضا في حال دون حال.