وسلب عنها صفاتها ، وجرّد عنها أخلاقها القويمة ، فلمْ تعدْ تهتم بتحقيق أهدافها وآمالها ، ولا بما يضمن لها الحياة الكريمة ؛ فقد استسلمت للحكم الاُموي ، وقبعت ذليلةً مهانةً تحت وطأة سياطه ، وهو يسفك دماءها ، ويستنزف ثرواتها ، ويشيع فيها الجور والفساد ، فقد تخدّرت بشكل فظيع ، وأصبحت جثةً هامدةً لا وعي فيها ولا حراك ، فلمْ تهبّ للدفاع عن كرامتها وعزّتها ، ولمْ تنطلق في ميادين الشرف والتضحية لتحمي نفسها مِنْ الظلم والاعتداء.
رأى الإمام الحُسين (عليه السّلام) ـ وهو سبط الرسول (صلّى الله عليه وآله) وأمله الباسم الذي تجسّدت فيه جميع طاقاته ـ حالة المسلمين ، وما هم فيه مِن الذلّ والهوان ، وإنّهم لمْ يُعوّدوا تلك الأُمّة العظيمة التي تبنّت رسالة الإسلام ، وحملت مشعل الهداية والنور إلى جميع شعوب الأرض. واستوعب الألم القاسي مشاعر الإمام (عليه السّلام) وعواطفه ، وراح يُطيل التفكير ، وينفق الليل ساهراً في إنقاذ دين جدّه العظيم وحمايته مِن الردّة الجاهلية ؛ فعقد المؤتمرات تارةً في مكة واُخرى في يثرب ، وعرض على الصحابة وأبنائهم الحالة الراهنة التي مُنِيَ بها المسلمون ، وأخذ يُدلي بمنكرات معاوية وموبقاته.
وقد استبان له أنّ هذه الطريقة لا تُجدي بأيّ حالٍ في ميادين الإصلاح الاجتماعي ، ولا يمكن أنْ تردّ شوارد الأهواء ، وترجع للأُمّة ما فقدته مِنْ معنويات ، فرأى أنّه بين أمرين لا ثالث لهما ، وهما :
١ ـ أنْ يسالم الاُمويِّين ويبايع ليزيد ، ويغضّ الطرف عمّا تقترفه السّلطة مِن الظلم والجور ، وما تعانيه الأُمّة مِن الأزمات في مجالاتها العقائدية والاجتماعية ، ويكون بذلك ـ على سبيل الاحتمال لا القطع ـ قد ضمن سلامته وحياته ، ولكنْ هذا ممّا يأباه الله له ، ويأباه ضميره الحي المترع بتقوى الله ؛ فهو بحسب مكانته مِنْ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مسؤول أمام الله عن صيانة الأُمّة