بأنْ يضرب إحداها بالأُخرى ، وكيف يجعلها تعمل مِن أجله ، وأفلح في ذلك (١).
وحفلت مصادر التاريخ ببوادر كثيرة مِن ألوان التناحر القبلي الذي أثاره معاوية وعمّاله ؛ ممّا أدى إلى انتشار الضغائن بين المسلمين ، وقد عانى الإسلام مِن جراء ذلك أشدّ ألوان المحن ؛ فقد أوقف كلّ نشاط مثمر له ، وخولف ما كان يدعو له النّبي (صلّى الله عليه وآله) مِن التآخي والتعاطف بين المسلمين.
وساس معاوية الأُمّة سياسةَ بطشٍ وجبروت ، فاستهان بمقدّراتها وكرامتها ، وقد أعلن ـ بعد الصلح ـ أنّه إنّما قاتل المسلمين وسفك دماءهم ليتأمّر عليهم ، وأنّ جميع ما أعطاه للإمام الحسن (عليه السّلام) مِن شروط فهي تحت قدميه لا يفي بشيء منها ، وقد أدلى بتصريح عبّر فيه عن كبريائه وجبروته فقال : نحن الزمان ، مَنْ رفعناه ارتفع ، ومَنْ وضعناه اتّضع (٢).
وسار عمّاله وولاته على هذه الخطة الغادرة ، فقد خطب عتبة بن أبي سفيان بمصر فقال : يا حاملي آلام اُنوفٍ رُكّبت بين أعين ، إنّي قلّمت أظفاري عنكم ليلين مسيئكم ، وسألتكم إصلاحكم إذا كان فسادكم باقياً عليكم ، فأمّا إذا أبيتم إلاّ الطعن على السلطان والنقض للسلف ، فوالله لأقطعن بطون السياط على ظهوركم ، فإنْ حسمتُ أدواءكم وإلاّ فإنّ السيف مِن ورائكم. فكم حكمة منّا لمْ تعِها قلوبكم ، ومِن موعظة منّا صمّت عنها آذانكم ، ولست أبخل
__________________
(١) الدولة العربية / ٢٠٧.
(٢) نهاية الإرب ٦ / ٧.