لقد كانت هجرته إلى مكّة كهجرة موسى إلى مدين ، فكلّ منهما قد فرّ مِنْ فرعون زمانه ، وهاجر لمقاومة الظلم ومناهضة الطغيان.
وانتهى الإمام إلى مكّة ليلة الجمعة لثلاث ليال مضين مِنْ شعبان (١) ، وقد حطّ رحله في دار العباس بن عبد المطلب (٢) ، وقد استُقبل استقبالاً حافلاً مِن المكيين ، وجعلوا يختلفون إليه بكرةً وعشيةً وهم يسألونه عن أحكام دينهم وأحاديث نبيّهم.
يقول ابن كثير : وعكف الناس بمكة يفدون إليه ويجلسون حواليه ، ويستمعون كلامه وينتفعون بما يسمعون منه ، ويضبطون ما يروون عنه (٣).
لقد كان بجاذبيته الروحية مهوى القلوب وندى الأفئدة ، وقد حامت حوله النفوس تروي غليلها مِنْ نمير علومه التي هي امتداد مِنْ علوم جدّه مفجّر العلم والنور في الأرض.
وأخذ القادمون إلى بيت الله مِن الحِجّاج والمعتمرين مِنْ سائر الآفاق يختلفون إليه (٤) ، ويهتفون بالدعوة إليه ويطوفون حوله ، هذا يلتمس
__________________
(١) المنتظم لابن الجوزي ، الإفادة في تاريخ الأئمة السادة.
(٢) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٦٨ ، وفي الأخبار الطوال / ٢٠٩ ، أنّه نزل في شعب علي.
(٣) البداية والنهاية.
(٤) الفصول المهمة لابن الصباغ / ١٧٠ ، وسيلة المال في عدّ مناقب الآل / ١٨٥.