وليس مِن الغريب في شيء أنْ يتنازع كلّ مِنْ طلحة والزبير على إمامة الصلاة ؛ فإنّهما إنّما نكثا بيعة الإمام (عليه السّلام) طمعاً بالحكم ، وسعياً وراء المصالح المادية.
ويقول المؤرّخون : إنّ كلّ واحد منهما كان يروم التقدّم على صاحبه لإمامة الناس والآخر يمنعه حتّى فات وقت الصلاة ، فخافت عائشة مِنْ تطوّر الأحداث ، فأمرت أنْ يصلّي بالناس يوماً مُحمّد بن طلحة ، ويوماً عبد الله بن زبير (١). فذهب ابن الزبير ليصلّي فجذبه مُحمّد وتقدّم للصلاة فمنعه عبد الله ، ورأى الناس أنّ خير وسيلة لقطع حبل النزاع القرعة ، فاقترعا فخرج مُحمّد بن طلحة فتقدّم وصلّى بالناس ، وقرأ في صلاته : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ).
وأثارت هذه الصور الهزيلة السخرية عليهم بين الناس ، واندفعوا إلى نقدهم ، وفي ذلك يقول الشاعر :
تبارى الغلامانِ إذ صلّيا |
|
وشحّ على المُلْك شيخاهما |
وما لي وطلحة وابن الزبيرِ |
|
وهذا بذي الجذعِ مولاهما |
فأُمّهما اليوم غرَّتهما |
|
ويعلى بنُ مُنبه ولاّهما (٢) |
إنّ هذه البادرة تصوّر مدى تهالك القوم على الإمرة والسلطان وهم بعد في بداية الطريق ، فلو كتب لهم النجاح في القضاء على حكم الإمام (عليه السّلام) لفتح بعضهم على بعض باب الحرب للاستيلاء على زمام الحكم.
وأوفد الإمام (عليه السّلام) رسله إلى أهل الكوفة يستنجد بهم ، ويدعوهم إلى
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٧.
(٢) الأغاني ١١ / ١٢٠.