«ما لنا والدخول بين السلاطين».
إنّ حياتهم العملية لمْ تكن صدى لعقيدتهم التي آمنوا بها ، فقد كانوا يمنّون قادتهم بالوقوف معهم ثمّ يتخلّون عنهم في اللحظات الحاسمة.
ومِنْ مظاهر ذلك التناقض : أنّهم بعدما أرغموا الإمام الحسن (عليه السّلام) على الصلح مع معاوية وغادر مصرهم جعلوا ينوحون ويبكون على ما فرّطوه تجاهه ، ولمّا قتلوا الإمام الحُسين (عليه السّلام) ودخلت سبايا أهل البيت (عليهم السّلام) مدينتهم أخذوا يعجّون بالنياحة والبكاء ، فاستغرب الإمام زين العابدين (عليه السّلام) ذلك منهم ، وراح يقول : «إنّ هؤلاء يبكون وينوحون مِنْ أجلنا! فمَنْ قتلنا؟!».
إنّ فقدان التوازن في حياة ذلك المجتمع جرّ لهم الويلات والخطوب وألقاهم في شرّ عظيم.
والظاهرة الاُخرى في المجتمع الكوفي الغدر ، فقد كان مِنْ خصائصهم التي اشتهروا بها ، وقد ضُرِبَ بهم المثل فقيل : أغدر مِنْ كوفيّ (١) ، كما ضُرِبَ المثل بعدم وفائهم فقيل : الكوفي لا يوفي (٢).
وقد وصفهم أمير المؤمنين (عليهم السّلام) بقوله : «اُسود روّاغة ، وثعالب روّاغة». وقال فيهم : «إنّهم اُناس مجتمعة أبدانهم ، مختلفة أهواؤهم ، وإنّ مَنْ فاز بهم فاز بالسهم الأخيب». وإنّه أصبح لا يطمع في نصرتهم
__________________
(١) الفرق بين الفِرق ـ لعبد القاهر البغدادي / ٢٦.
(٢) آثار البلاد ـ لزكريا القزويني / ١٦٧.