تشهد له الإنسانية مثيلاً في كثير مِنْ مراحل تاريخه.
لقد كانت المظالم الاجتماعية في عهد معاوية بمرأى مِن الإمام الحُسين (عليه السّلام) ومسمع ، فروّعته وأفزعته إلى حدّ بعيد ، فقد كان بحكم قيادته الروحية لأُمّة جدّه يحسّ بأحاسيسها ، ويتألم لآلامها ، ويحيا بحياتها ، وكان مِنْ أعظم ما عاناه مِن المِحن والخطوب تتبّع الجزارين والجلاّدين مِنْ ولاة معاوية لشيعة أهل البيت ؛ إمعاناً في قتلهم ، وحرقاً لبيوتهم ، ومصادرة لأموالهم ، لا يبالون جهداً في ظلمهم بكلّ طريق.
وقد قام الإمام (عليه السّلام) بدوره في شجب تلك السّياسة الظالمة ، فبعث المذكّرات الصارخة لطاغية دمشق يشجب فيها الإجراءات الظالمة التي اتّخذها عمّاله وولاته لإبادة محبّي أهل البيت (عليهم السّلام) والعارفين بفضلهم ، وقد جاء في بعض بنودها أنّه نفى أنْ يكون معاوية مِنْ هذه الأُمّة ، وإنّما هو عنصر غريب ومعادٍ لها.
والحقّ إنّه كذلك ؛ فقد أثبتت تصرفاته السّياسية أنّه مِنْ ألدّ أعدائها ، وأنّه كان يبغي لها الغوائل ، ويكيد لها في غلَس الليل وفي وضح النّهار ، قد جهد في إذلالها وإرغامها على الجور. وكان مِنْ أفجع ما رزأ به معاوية الأُمّة أنّه فرض خليعه المهتوك يزيد القرود والفهود ـ كما يسمّيه المؤرخون ـ خليفة عليها ؛ يعيث في دينها ودنياها ، ويجرّ لها الويلات والخطوب.
ـ ٥ ـ
وفقدت الأُمّة في عهد معاوية وخليعه يزيد جميع عناصرها ومقوماتها ، ولمْ تَعُدْ خير أُمّةٍ أُخرجت للناس ـ حسب ما يريده الله لها ـ فقد عاث فيها معاوية فربّاها على الوصولية والانتهازية ، وربّاها على الذلّ والعبودية ،