وانتصار اليهود ؛ لانكسار (الرَّجُلين) في اليوم الأوّل والثاني ، ساءه ذلك ، فقال : «لأعطينّ الرَّايةَ غداً رجلاً يُحبُّ اللّهَ ورسولَهُ ، ويُحبُّهُ اللّهُ ورسولُهُ». فاستطالت لها أعناق الرجال رجاءً أنْ يُدعَوا لها ، فيحظَون بالفتح والسّعادة الخالدة.
فأتاهُ الوصيُّ أرمدَ عينٍ |
|
فسقاهَا مِنْ ريقِهِ فشفاهَا |
ومضَى يطلبُ الصُّفوفَ فولَّتْ |
|
عنهُ عِلماً بأنّه أمضاهَا |
وبرَى مَرحباً بكفِّ اقتدارٍ |
|
أقوياءُ الأقدارِ مِنْ ضُعفاهَا |
ودَحَى بابَها بقوّةِ بأسٍ |
|
لو حمتهَا الأفلاكُ منه دحاهَا |
وأمّا يوم حنين ، فلم يلقَ المسلمون أشدّ منها ، فلقد ضاقتْ عليهم الأرض بما رحبت ، وبلغت القلوب الحناجر ، وعاتبهم اللّه على فرارهم عن حبيبه وخاتم رسله صلىاللهعليهوآله ، ولكن ظهرت في هذا اليوم عظمة (صاحب الراية) ، ومكانته من الرسول صلىاللهعليهوآله وموقفه من الدِّين ، ومبلغه من الدفاع ، وثباته في وجه الخطوب حتّى تراجع المسلمون.
ثُمّ لُفّت هذه الراية خمساً وعشرين سنة ، ونشرها أمير المؤمنين عليهالسلام يوم (الجمل) ، وأعطاها لولده محمّد بن الحنفيّة ، وقال له : «هذه رايةُ رسولِ اللّه لا تُردّ قط». فزحف بها ابن حيدرة والجيش خلفه ، وقيس بن سعد بن عبادة يقول (١) :
هذا اللواءُ الذي كُنّا نحفُّ بهِ |
|
مَعَ النَّبيِّ وجبريلٌ لنا مَددُ |
ما ضرَّ مَن كانتْ الأنصارُ عيبَتَهُ |
|
أنْ لا يكونَ لهُ من غيرِها أحدُ |
قومٌ إذا حارَبُوا طالتْ أكفُّهُمُ |
|
بالمشرفيّةِ حتّى يُفتحَ البلدُ |
__________________
(١) كتاب الجمل للشيخ المفيد / ١٦٥ ، ويظهر من مناقب الخوارزمي / ١٩٥ ، وقد أشار إلى هذه الأبيات وأنها قيلت في صفّين كلٌّ من : اُسد الغابة ٤ / ٢١٦ ، الوافي بالوفيات ٢٤ / ٢١٣ ، كتاب الفتوح لابن أعثم ٣ / ١٦١.