السّقّا
الماء حياة العالم ، وليست حاجةُ أي جزء من أجزائه أمسّ من الآخر ، فلا جزء ولا جُزيء في الكون إلاّ وهو خاضع له في وجوده ، وفي نشوئه وبقائه ، وقد أعرب عنه سبحانه بقوله : (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيء حَيّ) (١).
وإليه استند ابن عباس في حَلِّ لغز ملك الروم ؛ فإنّه وجّه إلى معاوية قارورة يطلب منه أنْ يضع فيها من كُلِّ شيء ، فتحيّر معاوية واستعان بابن عباس في كشف الرمز ؛ لعلمه بأنّه يستقي من بحر أمير المؤمنين عليهالسلام المتموّج بالحكم والأسرار ، فقال ابن عباس : لتملأ له ماء ؛ فإنّ اللّه يقول : (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيء حَيّ). فاُدهش ملك الروم وتعجّب ، وقال : للّه أبوه ، ما أدهاه (٢)!
فلا يخالج اليقين بأهمّيته الكبرى في دور الحياة أي شكّ.
وإنّ مَن يكون معروفُهُ الذي تندى به أنامله ، وتسوقه إليه جبلته ، هذه المادّة الحيوية ، لعلى جانب ممنع من الفضل ، وقد عرقت فيه وشائج الرّقَّة ، وتحلّى بغريزة العطف ، ونبض فيه عرقُ الحنان ، ولا يكون إسداءُ مثله إلاّ عن لينٍ ورأفةٍ على الوجود ، وإنْ
__________________
(١) سورة الأنبياء / ٣٠.
(٢) الكامل للمبرد ١ / ٣٠٨ ، والعبارة فيها تقديم وتأخير.