المواساة
لا يسع الباحث في حديث مشهد الطَّفِّ المُقدّر فيه (قمر بني هاشم) حقّ قدره إلاّ البخوع له بتحقيق هذه الغريزة الكريمة ، أعني المواساة بأجلى مظاهرها ، وأنت إذا أعرت لما أفضنا القول في البصيرة اُذناً واعية ، عرفت كيف كان مقامه مع أخيه سيّد شباب أهل الجنّة ، وإيثاره التفاني معه على الحياة الرغيدة ، وتهالكه في المفادات منذ مغادرته الحجاز إلى هبوطه أرض كربلاء ، وحتّى لفظ نفسه الأخير تحت مشتبك النّصول ، فلا تجد مناصاً عن الإذعان بأنّه عليهالسلام كان على أعلا ذروة من المواساة لأخيه الإمام عليهالسلام ، يربوا على المواسين معه جميعاً ; لأنّ مواساته كانت عن بصيرة ، هي أنفذ البصائر يومئذ بشهادة الإمام الصادق عليهالسلام : «كان عمُّنا العبّاسُ نافذَ البصيرةِ ، صلبَ الإيمان» (١).
وقد شهد له بهذه المواساة إمامان معصومان واقفان على الضمائر ، ويعرفان مقادير الرجال ، فيقول الحجّة عجّل اللّه فرجه في زيارة النّاحية : «السّلام على أبي الفضلِ العبّاس ، المواسي أخاه بنفسِهِ ، الآخذ لغدهِ مِن أمسهِ ، الواقي لهُ ، السّاعي إليه بمائِهِ ، المقطوعة يداه. لعن اللّهُ قاتلَهُ يزيدَ بنَ الرّقادِ الجهني ، وحكيمَ بن
__________________
(١) سرّ السّلسلة العلويّة لأبي نصر البخاري / ٨٩.