الحديدة
أمّا حديث الحديدة المحماة التي أدناها منه أمير المؤمنين عليهالسلام ، فليس فيها ما يدلّ على اقترافه إثماً أو خروجاً عن طاعة ؛ فإنّ أمير المؤمنين عليهالسلام أراد بذلك تهذيبه بأكثر ممّا تتهذّب به العامّة ، كما هو المطلوب من مثل عقيل والمناسب لمقامه.
فعرّفة (سيّد الأوصياء) إنّ إنساناً بلغ من الضعف إلى أنْ يئنّ من قرب الحديدة المحماة بنار الدُّنيا من دون أنْ تمسّه ، كيف يتحمّل نار الآخرة في لظى نزّاعة للشوى وهو مضطرم بين أوارها! فمِن واجب الإنسان الكامل التبعّد منها بكبح النّهمة ، وكسر سورة الجشع ، والمكابدة للملمّات القاسية ؛ فهي مجلبة لمرضاة الربِّ ومكسبة لغفرانه وإنْ كان غيره من أفراد الرعيّة يتبعّد عنها بترك المُحرّمات. فحقيق بمثله ـ وهو ابن بيت الوحي ورجالات عصبة الخلافة ـ التجنّب حتّى عن المكروهات ، وما لا يلائم مقامه من المباحات ، ويروّض نفسه بترك ذلك كُلّه حتّى تقتدي به الطبقات الواطئة بما يسعهم ، أو يُسلّون أنفسهم بمقاسات مثل عقيل الشدائد في دنياه ، فلا يبهضهم الفقر المُلمُّ والكرب المُدلهمُّ ، فرُبَّ مُباحٍ يُنقم عليه مِن مثله ولا يُلام مَن هو دونه بارتكابه ؛ فإنّ (حسنات الأبرار سيئات المقرّبين).
وأمير المؤمنين عليهالسلام أراد أنْ يوقف أخاه على هذا الخطر المُمنَّع الذي حواه ، وقد ذهل عنه في ساعته تلك.