الملكوت حتّى أشرأب له هنالك من أنبياءَ ومُرسَلين ، وحُججٍ معصومين ، وملائكة مُقرّبين ، وحورٍ وولدان ، وأرواح مُقدّسة ، ومُقدّساتٍ زاكياتٍ طيِّباتٍ ، فلمْ يلقَ عليهالسلام في صعوده إليهم إلاّ ثغوراً باسمةً ووجوهاً مُستبشرةً ، وايذاناً له بالبشرى الخالدة ونعيمَ الأبد ؛ فطفق يرفل بين ذلك الجيل القُدسي ، الزّاهر بنور العصمةِ ورونقِ العلم ، وهيبةِ العظمة وسماتِ الجلالة ، وشاراتِ النّزاهة وبهجةِ العطفِ الإلهي ، وبهاءِ النّظر إلى الجلال السّرمدي ، والاتّصالِ بالرّضوان الأكبر ، وعليه اُبّهةُ الولاء وجلالةُ الطّاعة ، وبلجُ التضحية وزُلفى المفادات ، وزهو العلمِ والعملِ ، ولذكره في ذلك المُنتدى الرهيب رفعةٌ ومنعةٌ ، وإليه يُشير الإمام الصادق عليهالسلام في لفظ الزيارة : «ورَفَعَ ذكْرَكَ في عِلِّيِّينْ».
فإنّ الغرضَ من هذا التعبير ليس إلاّ ما شرحناه ، لا مجرّد صعود ذكرهِ الطيّب إلى ذلك الملأ الأرفع ، شأن كُلِّ صالح في عالم الوجود ، لكنّ الشأن كُلَّه أنْ يكون هنالك بذخٌ وإكبارٌ ، فيرمقه كُلُّ طرفٍ بنظر الإجلال ، ويسمع الهتافَ به بإذنِ التقدير ، وتنعقد الضمائر على تقديسه ، ولو أراد الإمام عليهالسلام مُجرّد ذكره إلى ذلك العالم القدسي ، لقال في الخطاب : ورفع ذكرَك إلى علِّيِّين ، ولكنْ حيث إنّه أراد رفع الذكر بين أفراد اُولئك الذين أختصّ محلّهم فيه ، جاء بفاء الظرفيّة ، فقال : «في علِّيِّين».
وأمّا قوله عليهالسلام في الزيارة التي رواها المجلسي في مزار البحار ص ١٦٥ ، عن مزار الشيخ المفيد وابن المشهدي : «لعَنَ اللّهُ اُمّةً استحلَّتْ منكَ المحارِمَ ، وانْتهكتْ فيك حُرمةَ الإسلامِ» (١). فيرشدنا
__________________
(١) بحار الأنوار ٩٨ / ٢١٩ ، المزار للمفيد / ١٢٤ ، المزار للمشهدي / ٣٩١.