وفي هذين الحالتين لا بدّ وأنْ يكتنف العمل المقارنات المطلوبة ، مثل : نيّة القربة ، والإخلاص فيها المنبعث عن حبِّ المولى سبحانه ، الهادي إلى معرفة تؤهله إلى الطاعة ، وعن معرفة نِعم الباري عزّ وجل الواجب شكره ، وعن الهيبة النّاشئة عن لحاظ عظمته ، إلى أمثال هذه من الملحوظات.
وقصارى القول : كما أنّ مراتبَ الإيمان والمعرفة متفاوتةٌ مقولة بالتشكيك ، كذلك مراتب العمل متفاوتة حسب تفاوت تلك المراتب ، فصاحب عمل كُلِّ مرتبة محدود بحدودها.
وحينئذ فلا شكّ أنّ كُلَّ واحد من شهداء الطَّفِّ ، وإنْ بلغ الغاية في الجهاد وأدّى حقّ النّصيحة ، لكنّ (شهيد العلقمي) لمّا كانت بصيرته أنفذ ، وعلمه أوفر ، وإيمانه أثبت ، كان مداه أبعد ، وغايته أسمى ، وحدوده أوسع ؛ ولذلك خاطبه الصادق عليهالسلام بهذا الخطاب ، وخصّه بالمبالغة في التضحية ، فكان هذا كفضيلة مخصوصة به ; لأنّ هاتيك المراتب الراقية لم توجد في غيره.
ولعلّ من ناحية هذه المراتب الثلاث ثبت له عليهالسلام حقٌّ في الدِّين ، وحقٌّ على الاُمّة ، وحرمةٌ لا تُنكر ، فاستحقّ أنْ يُخاطبه الإمام عليهالسلام في سلام الإذن بقوله : «لَعنَ اللّهُ مَنْ جَهلَ حَقّكَ ، واسْتَخفَّ بحُرمَتِكَ» (١).
وهناك درجة أربى وأربع أشار إليها الصادق عليهالسلام بقوله : «ورَفَعَ ذكْرَكَ في عِلِّيِّينْ» (٢).
فإنّ (حامى الشريعة) لمْ يبرح مواصلاً في الخدمات حتّى أقبل إلى اللّه تعالى مُتلفّعاً بدم الشّهادة ، شهادة صكٍّ نَبؤها مسامع
__________________
(١) المزار للشهيد الأوّل / ١٦٥.
(٢) كامل الزيارات / ٤٤١ ، المزار للشهيد الأوّل / ١٣٣.