العبّاس ، لكان هذا
الدعاء ، أو الإخبار عن أمره شططاً من القول ، خارجاً عن ميزان العدل ، تعالى عنه
كلامُ المعصوم ، فإذاً لمْ يكنْ غيره من المجاهدين مطلقاً أوفر فضلاً ، ولا أكثر
جزاءً ، ولا أوفى بيعةً إلاّ مَن أخرجه الدليل من الأئمّة المعصومين عليهمالسلام.
ثُمّ إنّ هناك مرتبة اُخرى ثبتت لأبي
الفضل ، خصّه بها الإمام الصادق عليهالسلام
بقوله : «أشهدُ أنّكَ قدْ بالغتَ في النَّصيحةِ ، وأعطيتَ غايةَ المَجْهودِ ، فبعثكَ
اللّهُ في الشُّهداءِ ، وجَعلَ روحَكَ مَعَ أرواحِ السُّعداءِ ، وأعطاكَ مِنْ
جنانِهِ أفسَحَها مَنْزلاً ، وأفضلها غُرَفاً» .
فإنّ المبالغة في أمثال المقام عبارة عن
بلوغ الأمر إلى حدوده اللازمة ، وكم له من نظير في استعمالات العرب ومحاوراتهم.
ولا شكّ أنّ كُلَّ واحدٍ من شهداء الطَّفِّ قد بالغ في النّصيحة ، ولم يألُ جهداً
في أداء ما وجب عليه ، ولكُلٍّ منهم في ذلك المشهد الدامي شواهد من أقواله وأعماله.
ومن المُسلَّم أنّ المعروف بقدر المعرفة
كمَّاً وكيفاً ، فصاحب السّنام الأرفع في العرفان ، المُتربّع على أعلى منصّة من
الإيمان ، لا بدّ وأنْ يُقاسي أشدَّ ضروب الجهاد ، ويتظاهر بأجمل مظاهرها ؛ من
الدؤوب على الحرب والضرب ، وإنْ طال المدى وبعد الأمد إنْ كان الجهاد نضالاً ، كما
لا بدَّ له من المثابرة على مكافحة النّفس الأمّارة وكسر شوكتها ، وردّ صولتها
وكبح جماحها ، وترويض النّفس بالطّاعة ، وإلزامها بلوازمها الشاقّة طيلة حياته إنْ
كان الجهاد نفسيّاً.
__________________