حداهم إلى الحرب بواعثُ الحُقدِ والنّخوة ، ومن المُحتمل القريب انحلال جامعتهم إذا ضربت الحرب عليهم بجرانها ؛ لأنّهم كانوا يفقدون أيّ مدد من القبائل ، ولم يخرجوا متأهّبين للاستمداد ، حيث ظنّوا خوراً في المسلمين ، وحسبوا استئصالَ شأفتهم وأنّهم كشربة ماء ، (ولكنْ لا مُبدّل لحُكمِ اللّه تعالى).
فالموقف يوم الطَّفِّ أحرج ، والكرب أكثر ، والمقاسات أصعب ، وبقدر المشقّة تجري الاُجور وتُقسّم الفضائل ، فشهداء كربلاء أولى بالفضيلة.
وضَرب الإمام عليهالسلام المثل لهم بأهل بدر ، إذ يقول : «إنّكَ مضيتَ على ما مَضَى به البدريّون». لا يوجب فضيلة أهل بدر عليهم ، كما هي قاعدة التشبيه ، وإنّما ذلك من باب التقريب إلى الأفهام ، كما في قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ ...) (١).
وأين من النّور الإلهي المشكاة ومصباحها ، ولكنْ لمّا لم تُدرك الأبصار ذلك النّور الأقدس ، وإنّما تُدركه البصائر ، ضرب اللّه تعالى المثل بما يُدركونه تقريباً للأذهان ، وهكذا الحال فيما نحن فيه.
وإلى هذه الدقيقة وقع الإيعاز منه عليهالسلام فيما بعد هذه الفقرة من الزيارة بقوله عليهالسلام : «فجزاكَ اللّهُ أفضلَ الجَزاءِ وأكثرَ الجَزاءِ ، وأوفرَ الجَزاءِ وأوفَى جزاءِ أحَدٍ مِمّنْ وفَى ببيعتِهِ ، واسْتَجابَ له دعوتَهُ ، وأطاعَ ولاةَ أمرِهِ» (٢).
فلو كان في المجاهدين مَن هو أوفر فضلاً من أبي الفضل
__________________
(١) سورة النّور / ٣٥.
(٢) كامل الزيارات / ٤٤١ ، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦ / ٦٦ ، المزار للمفيد / ١٢٢ ، المزار للمشهدي / ١٧٨.