وإليه أشار الإمام الشهيد عليهالسلام في كتابه إلى بني هاشم لمّا حلّ أرض كربلاء : «مَن لحقَ بيْ منكُمْ اسْتُشهدْ ، ومَنْ تخلّفَ عنِّي لَمْ يَبلغ الفتحَ» (١).
فإنّه عليهالسلام لم يُرد بالفتح إلاّ ما ترتّب على نهضته المُقدّسة وتضحيته الكريمة ؛ من نقض دعائم الإلحاد ، وكسح أشواك الباطل عن صراط الشريعة المُطهّرة ، وإحياء دين جدّه الصادع به الذي لاقى المتاعب في تأييده وتشييده.
وأنت أيّها البصير ، إذا استشففت الحادثة من وراء نظارةٍ في التنقيب ، تجد سيّدنا أبا الفضل سيّد القوم بعد أخيه السّبط عليهالسلام ، وهو المُسدّد لهم في النّضال.
كما أنّ الباحث إذا أعطى النّظر حقّه ، يجد ضحايا (الطَّفِّ) أشدّ انقطاعاً عن المدد من مجاهدي يوم بدر ، وأبلغ بأساً وأقلّ عدداً ـ مع اكتناف الكوارث بهم ـ وإعواز الملجأ أكثر ممّا احتفّ بأهل بدر.
مع أنّ المناوئين لشهداء (الطَّفّ) أوفر عدداً ، وأقوى عتاداً ، وأوثق مدداً ، وأنّ لهم دولةً مُؤسَّسة تنضَّدت جحافلُها ، وخفقت بنودُها ، وتواصلت قوّاتُها بخلاف الحالة يوم بدر.
فلقد كان المحاربون للمسلمين شتاتاً من طواغيت العرب ،
__________________
لَو لَمْ تَكُنْ جُمعَتْ كُلُّ العُلا فينا |
|
لكَانَ مَا كَانَ يَومَ الطّفِّ يَكفيِنَا |
يَومٌ نَهضنَا كأمثالِ الاُسودِ بهِ |
|
وأَقبلَتْ كالدِّبا زَحفَاً أعاديِنَا |
جَاؤوا بسبعيِنَ ألفاً سَلْ بَقيَّتَهُمْ |
|
هَل قَابلونَا وَقد جِئنَا بِسبْعينَا |
(١) بصائر الدرجات للصفّار / ٥٠٢ ، دلائل الإمامة للطبري الشيعي / ١٨٨ ، الخرائج والجرائح للراوندي ٢ / ٧٧١ ، مُثير الأحزان لابن نما / ٢٧.