وكانوا يتعاقبون على سبعين بعير ، الاثنان والثلاثة (١).
لكنّهم خاضوا غمرات الموت تحت راية النّبوَّة ، بقوّة الإيمان وعتاد البصيرة ، إلاّ مَن استولى الرَّينُ على قلبه ، فردّوا سيوف قريش مفلولة ، ورماحهم محطّمة ، وجموعهم بين قتلى وأسرى ومُشرّدين ، فحظوا بأوّل فتح إسلامي قويت به دعائمُهُ ، وشُيّدت معالمُه من الإمداد : (بِخَمْسَةِ آلاف مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (٢).
وأعظم من ذلك مشهد الطَّفِّ الذي التطمت فيه أمواج الموت ، وكشفت الحرب عن ساقها ، وكشفت عن نابها.
وللأخْطَارِ وَجهٌ مُكفَهِرٌ |
|
يُشيِبُ لِهَولِهِ المُردِي الغُلامُ |
تَرَى الأبطَالَ مِنْ فَرقٍ سُكَارَى |
|
يُدَارُ مِنَ الرَّدَى فِيهمْ مُدَامُ |
فقابلهم عصبة الحقِّ من غير مدد يأملونه ، أو نصرة يرقبونها ، والعطش مُعتلج بصدورهم ، ونشيج الفواطم من ورائهم ، فتلقّوا جبال الحديد بكُلِّ صدرٍ رحيب وجنان طامن ، فلم تسل تلك النّفوس الطّاهرة إلاّ على قتل اُميّة المنقوض ، ولا اُريقت دماؤهم الزاكية إلاّ على حبلهم المُنتكث ، فلم تبرح آلُ حربٍ إلاّ كلعقة الكلب أنفه حتّى اكتُسحت معرّتُهم من أديم الأرض ، وتفرّقوا أيدي سبا ، فيوم الطَّفِّ فتحٌ إسلامي بعد الجاهليّة المُستردَّة من جراء أعمال الأمويّين (٣).
__________________
(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٧٢ ، سُبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي ٤ / ٢٤ ، تفسير البغوي ١ / ٢٨٣.
(٢) سورة آل عمران / ١٢٥ ، قال تعالى : (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلاف مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ).
(٣) لقد أجاد العلاّمة السيّد باقر نجل آية اللّه السيّد محمّد الهندي رحمهالله ، إذ يقول :